تلميذ رواد الحداثة الشاعر العراقي عبد الله عباس خضير: العذاب ملازم للعراقيين… ومتفائل بتحرير القدس!
2019-08-18
مقابلات وتحقيقات
406 زيارة
حاوره البروفيسور أنور الموسى
تلميذ رواد الحداثة الشاعر العراقي
عبد الله عباس خضير في ميزان الإبداع
*******************************^************
تحلق في شعره القدس والعراق والوطن العربي والمرأة والحداثة والتراث
الشاعر عبد الله عباس خضيّر: لولا الشعر لمرضت بسبب الواقع العربي المهترئ
مقابلة بقلم د أنور عبد الحميد الموسى تتناول ديوان مراثي القبيلة والتجربة الإبداعية
تفرض مفردات الألم العربي، والضوضاء، والفساد، والتمرد والرفض… نفسها على التجربة الشعرية العراقية…وهذه المرة، على يد شاعر انتقى عناوين دواوينه باتقان؛ أعني الشاعر العراقي ابن البصرة عبد الله عباس خضيّر الذي أطلق على ديوانه الجديد الصادر عن دار ابن السكيت العراقية، تسمية مراثي القبيلة…
فالقبيلة في العرف السائد، متمردة، تتمسك بالقيم والبسالة والعنفوان… أما أن نأتي بكلمة مراثي الموجعة والباعثة على الحزن… ونضيفها إلى القبيلة… فهنا مكمن التعجب والتوقف…والنظر …
تسلط هذه المقابلة الضوء، إذا، على قضية جوهرية تفرض نفسها الآن على الساحة العربية والعراقية؛ أعني المرارة والرفض… كون ديوان المراثي الأخير للشاعر، يدور حول هذه القضية… فقصائده إجمالا تدور في هذا الفلك…
الشاعر عبد الله عباس خضيّر، أحد تلامذة رواد الحداثة في العراق؛ تتلمذ على نازك الملائكة والدكتور حسن البياتي، ود.محمد سيد طنطاوي وعبد المنعم الزبيدي وزاهد العزيّ، ود خليل العطية… شهدت له الحقول التربوية في العراق والبصرة، ونشرت له الكثير من الأعمال، وتناولته الدراسات، ومن دواوينه: قراءة في سيرة التتار 2000، ووصايا إله الماء 2009، وحول الخط الأحمر 2012، وحاشية الأحلام 2012، ومراثي القبيلة 2016…
وما يميز ديوانه الأخير أنه لا يزال بكرا، لم تتناوله أيدي الدارسين… علما أنه يشي بنضوج التجربة الشعرية عند الشاعر عبد الله عباس خضير، فضلا عن تناوله قضايا أدبية حساسة… ما جعله شاعرا ملتزما، يعبر عن هموم وطنه العربي/ أمه، فضلا عن المآزق التي تعتريه…
فحول تجربة الشاعر وعناصر إبداعه وظروفه وتمرده وتجديده… وموقفه من تحليل شعره وفق المنهج النفسي…كانت لنا هذه المقابلة معه…
س1: ما أثر الطفولة في تجربتك؟ ومتى بزغت موهبتك الشعرية…؟
• طفولتي رومانسية، حالمة…وما أثر فيّ خلال الطفولة جمال الطبيعة، والاستغراق في التأمل، والاندماج الصوفي في الطبيعة… حيث أنسى نفسي أمام جمالها..
• بدأت الكتابة العام 1965، وكان لمدرس العربية محمد راضي جعفر الأثر الكبير في تشجيعي…قرئت لي قصيدة في برناج الحقيبة الأدبية بإذاعة بغداد1968… فكانت بمنزلة حافز مهم لي…ثم نشرت لي قصائد بصحف عراقية ؛ كالمرفأوالقادسية والطليعة الأدبية… وفي الصحف العربية كالعرب اليوم …
س2: من الشعراء الذين أثروا فيك…؟
• شعريا تأثرت بطرفة بن العبد والمتنبي والمعري والسياب ومحمد راضي جعفر والجواهري ونزار وحسب الشيخ جعفر…
س3: تقول إنك تتلمذت على رواد الحداثة وغيرهم… أو استفدت من كبار الأدباء… فماذا زرع فيك هؤلاء؟
• من الشعراء الذين أثروا في السياب والشابي… وفي مرحلة التكوين ، تأثرت أيضا بعلي محمود طه… ونزار استفدت منه في أسلوبه السهل الممتنع…
وتأثرت بنازك الملائكة التي هي من حيث الشكل، كلاسيكية تماما في اهتماماتها وقراءاتها وشغفها بالتراث… وكان السياب أكثر جرأة وتحررا منها… فالسياب علمني الكثير، في الصورة والرمز والصدق الفني… كنت مغرما به… ثم بالمهندس وناجي… وأدونيس والبياتي… ومن الأدباء الذين علموني مباشرة في المدرسة محمد راضي جعفر وحسن البياتي…ونازك الملائكة التي درّستني في جامعة البصرة لعامين…نعم، تأثرت بها، ولا يزال أسلوبها يراودني حتى الآن…
س4: حدثنا عن علاقاتك العاطفية… وهل أثرت فيك…؟
• أنا متزوج…ولدي تجارب حب قبل الزواج… ولم تتح لي الظروف متابعة تلك العلاقات… وهناك تداخل بين الأم والحبيبة والمرأة، وبين الوطن والأمّة… وهو أمر معهود عند شعرائنا كالسياب ودرويش…
س5: شاعرنا العراقي المبدع…هل عكست طفولتك حرمانا أو عذابا؟
• لم أعش طفولة حرمان أو عذاب، طبعا عشت في بحبوحة تقريبا… وحياة مناسبة ماديا، وسط أسرة محافظة… ولعل أبرز ما أثر فيّ خلال الطفولة المجتمع الريفي، حيث العزل بين الجنسين، ليس مكانيا بالضرورة…لكن حواجز الدين والتقاليد والعرف كانت مستبطنة داخليا…
س6: ما موقفكم من التحليل النفسي لأعمالكم بعد أن بدأت بتحليل شعركم نفسيا (نماذج من ديوانكم الأخير)؟
• موضوع التحليل النفسي للشعرعموما ًولأعمالي شائق وصعب، وهو تخصص نادر ومفيد …في التحليل النفسي للأدب ينبغي أن لا يطغى علم النفس على المضمون الأدبي…وألا تصبح الدراسة استعراضا ًلنظريات علم النفس…فالمهم أن يضيء علم النفس العمل الفني ّواستكشاف البعد النفسي للتجربة الأدبية… وأنت تتذكر دراسات عز الدين اسماعيل والعقاد… حيث الرؤية المسبقة التي يبحث لها الدارس عن مصاديق… وأحيانا نترك التحليل العلمي هو الذي يقودنا دون تعسّف …
س7: لم تكثر الثنائيات ولا سيما التمرد والانهزام في شعر المراثي؟
• سبب ذلك أنني لا أثق بأن السلطة في العراق وفي الأقطار العربيّة ستقدم شيئا لنصرة القضايا المصيرية… وهذا مدعاة إحباط… وهي أيضا لا تقدم شيئا للعرب… ولكوني عروبي ّالرؤية، أعيش الهم العربي بكل ّكياني … من هنا التمزق بين ما تربيت عليه من مباديء تعتبر قضية العرب قضيتي، وبين سلطة تحتقر من يقول إنه عربي…
س8: لم تحلم بالقدس في ديوان مراثي القبيلة وغيره؟
• هذه مباديء راسخة لن أحيد عنها… وأنا متفائل بتحرير القدس وكل فلسطين، فنحن لا نيأس… ومهمتنا أن يبقى الأمل…
س9: بعد تكريمك وإغداق الجوائز والدراسات عليك… أتعد نفسك نرجسيا، ولا سيما في ديوان المراثي؟
• نعم، بالتأكيد، أنا نرجسي.. نرجسي بمعنى مثالية الصورة عن الذات، والعصامية والتفوق وليس بالمعنى المَرَضي ّ… فأنا لا أقبل القبيح، لي أو للأخرين…
س10: بم تشعر حين تنهي قصيدتك؟
وما دور الشعر في العلاج؟
• أشعر بالراحة؛ حين أنتهي من نظم قصيدتي… فالقصيدة هي تصريف لمكبوتات سياسية واجتماعية وعاطفية وجنسية… وبالمناسبة، أكاد أكون متخصصا بفرويد والماركسية والفرويدية… ورايش وماركيوز واوسبورن وفروم وآنا فرويد… لذا أعترض على استخدام مفردة علاج ، إلا إذا قصدت بها حالات أخرى … فأنا لا أعاني من اضطرابات نفسية ؛ ولولا الأدب والشعر الذي
• يحفظ علينا توازننا ، لحصلت اضطرابات ومرضت بسبب الواقع بيبوسته… فوظيفة الفن بالتأكيد امتصاص المكبوتات؛ ولذا ، فالأدباء لا يمرضون نفسيا في الغالب…
س11: أتشعر بقيمة العذاب في شعرك؟
• العذاب ملازم للعراقيين… نظرا الى الظروف القاهرة… ولرب ضارة نافعة… ولكن في الوقت نفسه، لا أقصد التلذذ بتعذيب الذات (المازوشية)…فصحيح أني تأثرت بالرومانسيّة؛ لكن لدي تأكيد للذات لا تعذيبها… فالرومانسيون طغى عليهم افتعال الحزن…
س12: لوحظ في شعرك رموز تراثية بشكل لافت، ما بواعث اتكائك على التراث؟
• شعري في كل دواويني متكيء على التراث بترميز شفّاف ، حتى في ديواني: مراثي القبيلة… وقصدت من ذلك إرسال رسالة واضحة مباشرة للإنسان العراقي والعربي… فلم أوغل في الترميز… لأنا نحن أمام تحريض لا يتناسب مع الغموض الرمزي…
س12:يرى رايش أن الكبت الجنسي أساس القمع والتخلف السياسي والاجتماعي… فما رأيك؟
• هذا أقدره تماما، فمجتمعاتنا مكبوتة بدرجات، وأنا قرأت ماركيوز في الحب والحرية… وفروم في الخوف من الحرية وثورة الأمل… وغارودي في نحو التحرر والبديل وطروحاتهم … وهناك تلازم بين الكبت السياسي ّوالكبت الجنسي ّ.
س13: أتخشى أنت، أو على صراحتك من السلطة؟
• لقد بلغ السيل الزبى، فنحن في خطر مصيري، لا مجال للخوف بعد، قد أصاب بمكروه… لكني لست مرتعبا… فالعراق بطاقاته يمكن أن يقود العرب نحو مستقبل مشرق، فأين طاقاته؟ لعلك قد سمعت بمهزلة سرقاتهم الفلكية؛ 1000 مليار دولار تسرق والشباب عاطل والخريجون يتسكعون…!
س14: لم تستخدم في المراثي السهل الممتنع؟ ولم الصور الواضحة…؟ ولم القصائد القصار…
هي قصائد تحريضية، بمنزلة منشورات، لا تصلح معها الرمزية للبسطاء…، ولذا، تميز أسلوبي بالسهل الممتنع، وكثرة الصور الواضحة، مع العناية بتنوع الإيقاعات الوظيفية، اي الهادفة…
س15: ما وصيتك إن أصبت بمكروه…؟
أنا الآن لا أرجوهم لشيء، ولا أخافهم على شيء… وماذا أفعل…؟ كفانا خنوعا، فمستقبل العراق والعرب يسرق.. فإن حصل ذلك سأقول لأطفالنا كما قال نزار (بتصرف): لا تقرأوا أفكارنا، فنحن جيل القيء والزهري والسعال، ونحن جيل الخوف والاسفاف والرقص على الحبال…
س16: ما عناصر التجديد في المراثي؟
على الرغم من أنها حركية، إلا أني لم أفرط بالجمالي لصالح السياسي، بل فيها توازن بين جمالية الصورة وبين المضمون الانساني والوطني… ولم أشأ الإيغال في الرمزية… وابتعدت من الاسفاف في اللغة والصورة والموسيقى…كما يفعل غالبية شعراء اليوم…
س17: ما رأيك في ما تنشره وسائل التواصل الاجتماعي من شعر وأدب؟ وهل يخدم هدفكم؟
-أرى أن ما تنشره بعض مواقع التواصل الاجتماعي من منشورات، مشرف، ومحفز للنُّوَّم والغافلين… الذين كثروا في هذه الأيام…كحال صفحة دراسات.ثقافية. تراثية. في الجامعة العالمية عبر الفايس بك (التي أغلقت…)، وحلت مكانها مجلة إشكاليات فكرية… علما أن لي موقفا سلبيا من آلية النقد عبر بعض المواقع ، وكثافة الأخطاء الإملائية المخجلة…
18-لم التنوع في الأوزان في شعرك…؟
-في شعري هناك توازن كبير بين العمود والتفعيلة، الموسيقى عندي عنصر اصيل في الشعر، وليست عنصرا شكليّا، القصيدة في نظري تولد لابسة شكلها الموسيقي ّ المناسب، ولا أفرض عليها شكلا مسبقا؛ لذلك قد تجيء عموديّة أو شعر تفعيلة،…
وبالتّأكيد قصيدة النّثر ضحّت بعنصر الموسيقى العروضيّة؛ لصالح الموسيقى الداخليّة التي يعتقد أصحابها أنّها تنبع من بنية النّص العميقة وجدل العلاقة بين عناصره…
19-ماذا يضيف اليكم التكريم والجوائز؟
الحقيقة التكريم صار هذه الايام تقليدا مستهلكا، ولم اكن أسعى اليه في يوم من الايام…هناك اوسمة وشهادات تقديرية وصلتني..هي احيانا تكبّل اكثر من انّها تضيف جديدا للمبدع …والمؤسف ان هناك أشخاصا يهرولون إليها!
20-ما القصيدة التي تقدمها لقراء مجلتنا؟
*** ماذا تقولون َ للتّاريخ ِيا عَرَب ُ ***
شعر / عبد الله عبّاس خضيّر
ماذا
تقولون َ للتّاريخ ِ
يا عَرَب ُ
أ كُبِّلَت ْ
فَرَس ُ الهيجا
فما تثب ُ … !
القدس ُ
قلتم ْ
عروس ٌمن عرائسِنا
وقِبلة ٌ
وهي َ
من خمسين َ
تُغتَصَب ُ … !
ضيّعتُم ُ الدّرب َ
في صنعاء َ
أو
حلَب ٍ
وليس في دربِها
صنعاء ُ
أو
حَلَب ُ
وليس في دربِها
بغداد ُ
أو
عدَن ٌ
لكنّنا
كي تضيع َالقدس ُ
نحترِب ُ
علام َ
ترفع ُ أذناب ٌ
عقيرتَها
( وهل يُسوّى
بأنف ِالنّاقة ِالذّنَب ُ)
هذي
رؤوس ُبني قومي
معلّقَة ٌ
على
رماح ِبني قومي
فما العَجَب ُ …
لا تكتبوا
لا تقولوا
كلُّكم ْ سَبَب ُ
( ألسّيف ُ
أصدق ُ أنباء ً
أم ِ الكتُب ُ… ! )