السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / المخرج المغربي عبد الله بنحسو: فيلمي الجديد “نزيف الدمى” يفضح الإرهاب الدولي من خلال أطفال العراق..والإنسانية تغلف أعمالي

المخرج المغربي عبد الله بنحسو: فيلمي الجديد “نزيف الدمى” يفضح الإرهاب الدولي من خلال أطفال العراق..والإنسانية تغلف أعمالي

حاوره أ.د.انور الموسى 

لا يزال المخرج المغربي الأستاذ عبد الله بنحسو يتربع على سلم الأفلام القصيرة.. وهذه المرة مع القضايا الإنسانية وأطفال العراق. يقول: “نزيف الدمى” هو فيلم وثائقي ليس مجرد فيلم تسجيلي فحسب، بل يحمل أبعادا إنسانية ورسائل جمة..
فهو يندد بصناعة الإرهاب من الدول الاستعمارية والتطبيع والصور النمطية الغربية الزائفة التي تضخ السموم ضد مجتمعاتنا..ويجد في العمل الفني والإخراج وسائل هادفة للنهوض بالقيم وتطوير المجتمع..
فماذا يقول الأستاذ بنحسو عن فيلمه الجديد؟ وما جديده؟ولماذا تغلف أعماله القضايا الانسانبة والايديولوجيا؟ وما رسالته في أعماله؟ وما الجامع بينها؟ وما جديده للقدس ومناهضة التطبيع؟ وهل يشعر بالحرية في المغرب؟
أسئلة جمة وجهتها له مجلتنا..  وكعادته أجاب عنها بصراحته المعهودة…

نرحب بكم في مجلتنا أستاذ عبد الله..مجددا..

_السلام عليكم و رحمة الله، و بركاته

أولا أشكركم على كرم الاستضافة على صفحات مجلة “إشكاليات فكرية” مجددا، فهذه ليست أول مرة أسعد بمحاورتكم، وأرجو من الله أن تحذو مجلاتنا، على طول الوطن العربي، حذو مجلة “إشكاليات فكرية”، فبهذا النحو ، سنؤسس للثقافة التي هي بالمناسبة غائبة في تقديري عند الأمة العربية، وأنا أعي ما أقول، وعما قريب إن شاء الله ، سيصدر لي كتاب أتناول وأبين فيه هذه الإشكالية العريضة.. مرة أخرى أجدد لكم الشكر و أتمنى أن تقاوم هذه المجلة كل التحديات لتبقى مساحة لطرح الإشكاليات ومدارستها..
١. ما جديدكم في الحقل الثقافي والفني؟
جديدي في التأليف قريبا سيرى النور، وآمل ان تكون ١٤٤١ هجرية سنة إصدارات عديدة باللغتين العربية و الفرنسية، و قد اخترت الفرنسية بغية إنشاء أرضية حوار فكري مفتوح مع شعوب فرنكوفونية تريد الحقيقة وتعد دولها بوابة من بوابات استعمار غربي مسؤول عن كثير من مآسي أمتنا.. أما سينمائيا، فبينما كنت أعد فيلما تربويا، إذ بالأقدار تحول شراع إبحاري نحو العراق، بعد تعرفي على أديبة الطفل الأستاذة المحترمة فائدة حنون مجيد .. لما علمت أنها انتقلت إلى شمال العراق بالموصل لتتفقد أطفال مخيمات النازحين وتعمل حكواتية لمواساتهم و تضميد جراحهم النفسية التي خلفتها أهوال الإرهاب الداعشي في الشمال.. انتابني شعور وكأن الزمن توقف بي عند هذه الحقيقة.. استحضرت عظم هول الأمر عند الكبير، فما عساك بالصغير الذي ترهبه جلدة ولي قاس أو عقاب مدرس عنيف.. بل فكيف به يرى أمام عينيه أقرانه أو آباءه أو أفرادا من عشيرته يذبحون من الوريد إلى الوريد..؟ استرسلت الأستاذة تحكي عن أشجانها و هي تلملم جراح نفسيات الأطفال في المخيمات، وهنا استوقفتها بأدب و احترام .. وقلت لها ماذا لو عملنا على إنتاج فيلم وثائقي يبرز جهودها بوصفها رائدة لأدب الطفل ط، وناشطة إنسانية تنزل من البرج العاجي المألوف عند الأدباء ( و لا ينبغي لهم ) وتشد الرحال إلى حيث يندبها الواجب ويستنفرها الدور الحقيقي للأديب الحقيقي..

٢. لم ينصب اهتمامكم على القضايا الإنسانية؟

أنت محق إذ وصفت قضايا اهتمامي بالقضايا الإنسانية دكتور أنور .. و أكبر دافع جعلني أتبنى هذا الاتجاه هو المغالطة الكبرى التي ينتهجها الغرب الإمبريالي تجاهنا نحن العرب و الأمازيغ و الأكراد و كل شعوب المنطقة بشكل خاص و تجاه باقي العالم المستضعف بشكل عام .. إن الغرب الامبريالي يؤسس هذه المغالطة و ينتهجها استراتيجية لتمويه الرأي العام و لصرف الوعي عن إدراك حقيقته و في الوقت نفسه يمأسسها حين يوزع المغالطة ليس بشكل عشوائي ولكن عبر مؤسسات خصصها لذلك .. إنه يسخر ما أوتي من قوة إعلام و قوة تمويل من أجل هذه المغالطة التي يريد أن يسوق من خلالها أنه إله حقوق الإنسان والضامن لها في “عالم همجي” ، لذا فكل حروبه ضدنا تكون بجبة “حقوقية” و رداء “إنساني” تدعي تخليص هذا الشعب أو ذاك من الظلم و الاضطهاد ، في حين أنه في غالب الأحيان هو من يرعى آلة الظلم و أداة الاضطهاد ..
إن تركيزي على القضايا ذات الطابع الإنساني يأتي إذن فعلا مني و ليس ردة فعل ، من أجل فضح حقيقة هذا النفاق الذي ينتهجه “النظام الغربي الامبريالي” تجاهنا نحن شعوب المنطقة خاصة و تجاه كل المستضعفين في العالم ..

٣. لم تتحكم الأيديولوجيا في أعمالكم؟
بالنسبة الى الإيدولوجيا أظن أنه لا وجود لتحجر إيديولوجي معين يقيد تناولي لمواضيع إنتاجاتي ، فمن الطبيعي جدا بوصفي مسلما أن يكون تحليلي للأمور مستقى من الإسلام حيث أحاول بالعكس أن أبين إحدى حقائقه ألا وهي عالميته و شموله للقيم الإنسانية كلها : لا حدود و لا لون و لا لغة و لا أصل ، وذلك كله عبر وسيلة فعالة جدا ألا و هي سينما الفيلم القصير ..

٤.حدثنا عن فيلمكم الجديد…

“زينل” هو فيلم وثائقي لا أريده أن يكون مجرد فيلم تسجيلي فحسب ، إذ هناك فرق بينهما ، و الفيلم يشتمل على ثلاثة اجزاء متفاعلة و متداخلة يبني الإخراج تناسقها من أجل خلق الإثارة عند المتلقي :
1. لقطات حية و حصرية من مناطق التماس مع الارهابيين و هي توثيق لمعاقلهم و أنفاقهم و متاريسهم أنجزها كادر التصوير .
2. أنشطة الأديبة الأستاذة فائدة حنون في مخيمات النازحين لفائدة الأطفال ضحايا رعب داعش من خلال زرع الأمان و البسمة عبر الحكي الشيق .
3. شق رمزي يبني علاقة وجدانية روحية بين الطفل و المسجد بوصفه فضاء ليس فقط لمجرد عبادة جافة سقطت عنها أوراق مقاصدها بل كبيمارستان للطمأنينة العميقة و و وصفة للسكينة الممدودة من خلال تشويق حكاية “المسجد” تلقيها الحكواتية داخل مسجد ..

٥.ما رسائل فيلمكم الجديد؟
للفيلم رسائل عديدة أهمها الآتي :
أ. أخطر ما يتهددنا هو ما فطن له الغرب الإمبريالي ألا و هو صناعة إرهاب يمكن أن يبيد في يوم واحد 20 ألف نفس أو أكثر ، لكن باسم ديننا وهذا هو الأخطر ، متبنيا في ذلك فكرا تكفيريا يوفر للأسف عدة جاهزة لذلك من التأصيل و الفتوى و الدعوة .
ب. إن إرهاب جيل واحد من الأطفال خلال مدة تقدم و ازدهار ينذر بانقطاع سلسلة التقدم و الازدهار في وقت نضج هذا الجيل و بذلك تسقط إحدى حلقات عزة الأمة ، فكيف بأمة أطفالها مرهبون ٤٠ سنة على الأقل و تباعا ؟
ج. تقديم أنموذج للأديب الصانع لحضارته من خلال تجربة الأديبة العراقية الأستاذة فائدة حنون مجيد و بالمقابل وضع النخب النرسيسية في صحن حرج ..

د. تقديم أنموذج للإعلامي المواطن الشريف النبيل من خلال الإعلامي ليث فارس بصفته منشطا لراديو الغد و مخاطرته بنفسه للتصوير في مناطق التماس مع العدو، و سط خطر القناصة و العبوات و الألغام المزروعة و الأفاعي و العقارب ( و قد لذغ أثناء مهمة تصوير من طرف عقرب و تم إغاثته و أخذ الأمصال في الوقت المناسب و لله الحمد ) عوض إعلاميين بل أحيانا مؤسسات إعلامية تشتغل في السر لأجندات غربية إمبريالية و تدمر أوطانها .

٦. ما العقبات التي اعترضتكم…؟

لا بد من عقبات لكل فعل ، فكيف إن كان هذا الفعل يزعج كثيرين و يخوف كثيرين و لا يعني أي شيء لكثيرين؟ هل تعلم دكتورنا الفاضل أن مواقع إعلامية في بلدان عربية تحفظت عن نشر مجرد خبر الفيلم ؟! لكن لو كان خبر يتناول ما أسميه “النتائج المركبة للأسباب” لدبجت به المواقع و المنصات و القنوات موادها و صفحاتها ؟! هذه أكبر العقبات ، يأتي بعدها التمويل طبعا ..

٧. ما اهمية العمل الموجه للطفل؟

صدقني إن قلت لك يا دكتور أنه لا مجال لنهوض عربي البتة بدون فن يستهدف الطفل اولا . لا نهضة بطفولة مرهبة و محرومة و مقصية و جريحة .. هذا ضرب من الخيال .. أقولها لك بوصفي متخصصا بنى تجربته الفنية مع الطفل ..

٨. ما الرابط ببن أعمالكم؟
التأسيس الحقيقي للقيم بعد تشخيص موضوعي لسقوط فكري تاريخي لا زلنا نعيش تداعياته ، و نهتز بلا انقطاع على ارتداداته للأسف .. هذا هو الرابط لكل أعمالي سواء الأدبية منها أو الدرامية ..

٩. هل تجدون حرية تظللكم في المغرب؟

بالنسبة الى حرية انتقاد السلطة هذا من حرية الرأي و حرية الرأي في المغرب يكفلها الدستور .. أعطيك مثالا واحدا : حينما أنتجت الفيلم القصير باللغة الفرنسية ” وداعا كروم جدي” و تم انتقاؤه في المهرجان الدولي المختار للفيلم القصير بباريس مارس ٢٠١٨ ، أدمجت لقطات حرجة لأهالي إحدى المناطق الجبلية التي كانت حينها تعاني حرمانا من أبسط الحقوق و تحقق كثير منها لهم اليوم و لله الحمد ، و كان موضوع المهرجان هو “الاغتراب” و أنا قاربت الموضوع من زاوية مخالفة ، فصوبت العدسة إلى ما أسميته “الاغتراب داخل الوطن” و سجلت بذلك الاستثناء في المنافسة ، و عرض الفيلم على التصويت عالميا ،و نشرته مواقع وطنية هي الأكثر مشاهدة في المغرب ألا وهي “العمق المغربي” و جريدة “الرأي المغربية” حينها .. لكن و الحال هذه ، ماذا لو تم الأمر في دولة عربية أخرى ؟ بكل تأكيد إن لم يكن تصفية بدعوى خيانة الوطن فسجن ، و في احسن الحالات ، ترهيب و مساءلة و توقيع التزام .. لكن في المغرب هناك إرادة قوية للقطع مع مثل هذه الأساليب و التي توجد حتى في هذا الغرب الذي يدعي نبوة حقوق الإنسان ، لا بل ألوهيتها .. و أنا في الحقيقة لما أنتجت “وداعا كروم جدي” حملت المسؤولية للإمبريالية الغربية أولا و التي شلت شعوبنا و بلداننا باستعمار تاريخي يعيق نمونا ..

١٠ . ما اعمالكم للقدس؟
القدس في البال ، هي موضوع مسرحيتي “يا طيور المساء هل رأيت أبي” و قريبا إن شاء الله ضمن نجيع العطاء في إصدارات متلاحقة ، و أنا ناقشت بعض الأصدقاء من الأردن و فلسطين حول موضوع إنتاج فيلم و سيتم إن شاء الله تحديد ما إن كان سيكون عملا وثائقيا أم خياليا ..

١١.ما دورك بوصفك مخرجا في مقاومة التطبيع؟
إذا كان الأديب المناهض للتطبيع يشكل مقاومة ذات وقع كبير لأجندات العدو الصهيوني سواء من خلال إنتاجه الأدبي أو مواقفه الآنية في محطات محفلية أو إعلامية، فإن المخرج السينمائي يشكل مقاومة أشرس..نظرا الى فعالية الوسيلة التي يستعملها ألا و هي الصورة و الحركة و المؤثرات و ذلك في وخز الرأي العام و تصحيح المغالطات و تكوين رأي عام رافض بشكل قطعي لا يقبل أدنى درجة احتمال مع التطبيع ..

١٢. ما رسالتك وكلمتك الأخيرة؟
و أنا أصور هذا الفيلم الوثائقي بالعراق تولدت في أفكاري رسالة تكاد تقتلني كمدا .. و هي لشعوبنا العربية :
أنتم لم تعرفوا بعد عدوكم واأسفاه ، و لأن الأمر كذلك فإنه لا زال احتمال الهرج و المرج قائما ما لم تقرأوا قول الله منذ ١٥ قرنا إذ سمى لكم عدوكم باسمه تسمية من لم يدر ريبا في تشابه، و أن اسمه لم يتغير بتغير الزمن فيحار رشيدكم ، ستقتلون أنفسكم و تظنون أنها عدوكم .. سيحز كل واحد وريده يظنه عدوه و ما هو إلا نفسه ، و ستغتالون نفسيات أطفالكم بأنفسكم و أنتم لا تشعرون و تضيع أجيالكم ، فيصير عقبكم ذابلا و أثركم ممحوا و ساحتكم جرزا عقيما ..
هذه رسالتي لكم ، لكن وضعية رسالتي كمثل ذلك الذي وضع الرسالة في قارورة و أحكم إغلاقها و رماها في يم المحيط لعل من يريدها له في الضفة الأخرى للمحيط يجدها ، فكم هو الاحتمال يا ترى ؟ أضرب هذا المثل لأننا نعاني أزمة إعلام حقيقية ، فبإعلام غني و مسؤول و متنوع يرتفع الإحتمال ..
هذا في حين أن العدو يتمتع بإمبراطوريات في هذا المجال ، لكن ، و لأنه يجب أن نعيش بالأمل ، فسأرسلها و أتوكل على الله ، هو وحده قادر أن يتولاها ..
مرة أخرى شكرا لكم.