السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / قصة وسرد / فرشاة أسنان “زرقاء”

فرشاة أسنان “زرقاء”

بقلم الكاتبة مهى هسي

فرشاة أسنان “زرقاء”
غادرت بيتنا منذ بضعة أشهر، والبارحة عدت ولن أبقى أكثر من خمسة أيام، فقد يُظهر مديري في العمل سخطه عليّ إن تعدّيت الخمسة أيام.
استيقظت من النوم بعد أفلام بوليسية وأفلام رعب في أحلامي الطويلة التي تركت شعري بتسريحة عجائبية. كنت أود النوم لوقت أطول، ولكنني اعتدت على المنبّه الذي أصبح عضواً من أعضاء جسدي. قمت من السرير لأنفذ البروتوكول الصباحي، تأملت نفسي في المرآة بعين نصف مغمضة ، ويا للهول! فرشاة أسناني! لاحظت أنّ فرشاة أسناني لم تفقأ عيني المنعكسة في المرآة، علمت أن أمي أزالت الفرشاة من الكوب الأبيض الصدىء والثابت على حافة المغسلة، لم يخطر لي أن أقول “معليش” أو “بسيطة”، تأملت نفسي مطوّلاً حتى نسيتها فكنت أفكر بإجابة عن سؤال كي أبرّىء أمي من هذا الذنب العظيم. تقول إنها صارت “تضيّع” بين الفراشي المتنوعة، ولكن هي غير مستعدة أن تستغني عن فرشاة واحدة من هذه الفراشي الكثيرة، لا أعرف من أين بفكرة “التعزيل”، وهي تعلم أنني كنت دوماً صاحبة الفرشاة الزرقاء منذ صغري! ربما تذكرني ب”الفراشة الزرقاء”، رواية ربيع جابر التي تشبه بطلتها جدتي وخالاتي التسعة. الموضوع أنّ البيت لم يعد بيتي! وبينما يشق الباص ضباب الجبال، أفكر بالبيت المتجهة إليه، الذي صار يفترض أنه بيتي، والذي للمصادفة أضع في كوب مغسلته فرشاتين، واحدة زرقاء وأخرى شفافة، ستضحك شريكتي في السكن حين تقرأ هذا، وتتذكر انها سألتني لماذا لا ارمي الزرقاء واحتفظ بالجديدة “الشفافة”، وقلت لها فقط: “لا أريد”…
سيضحك حبيبي وهو يقرأ هذا، ويقول أنني أهوّل الأمور دائماً، وأنه لا بأس بأن نعيش في البلد الذي لا تعرف شركة تجارية كبرى فيه، كيف تهجئ كلمة “إعمار” بالانكليزية، وتكتبها بميمٍ مضاعفة، البلد الذي نعيش فيه كأننا “شفافون”، لا مرئيون، منسيون، لا نقول له أن الإعمار لا يحتاج ميماً ثانية، نقرؤها “عمار” ونقول أنها ميم المبالغة أو ربما ميم المشقّة، كي لا تلحق ميم المرارة والموت والمقت والمذلة والمرض والمترجمين السيئين بال”إعمار”.
كنت افكر منذ قليل بغيمة وحيدة مفتوحة في السماء على شكل رحم، والآن أفكر بميم المسافر، ميم المكان، ميم المطر الذي بدأ للتو، ميم اسمي الذي يرافقني مثل طفل لحوح، وكأنني أنظر من الخارج إلى عالم داخل صورة، فيها طريق واناس وسماء، والسماء تمطر على الناس الصفات والناس يلهثون خلف الصفات، وفي السماء غيمة تحمل طفلاً، والطفل يغمز لفتاة عابرة تراه من النافذة، وتنظر الفتاة إلى عالم بين يديها، تقف فيه أمام المرآة وتسأل عن فرشاة أسنانها، وتسأل عن بيتها، و “لا بأس”، تقول الأم، فوق الخزانة حقيبة سوداء فيها فراشي أسنان، لكن أياً منها ليست زرقاء، والفتاة من حيث أنظر، تبدو خيالاً بعيداً جداً، “شفافاً” جداً..