حين يصبح الإنسان عدوَّ نفسه!
2019-05-01
مقالات
723 زيارة
بقلم الأستاذ حيدر حيدر
منذ بدأ الإنسان يتشكّل في إطار الجماعة، كانت الحاجة إلى نُظم وقواعد تسيّر شؤونه وتحدّد دوره الفاعل في المجموع, وحدوده اتجاه الآخر . وتضع له ضوابط عليه عدم اجتيازه، حفاظاً على أساس الجماعة وحماية له ولها .
وعبر التاريخ، شهِدت مراحل البشرية تطورات متتالية بتطوّر العقل الإنساني، وانتقاله من حالة البدائية نحو التمدّن والتحضّر. وشِهدت أيضاً انتكاسات كانت نتيجة خللٍ في تطبيق النُظم أو تجاوزٍ للضوابط. فدفع الإنسان إثماناً باهظةً وتعلّم دروساً ما زالت أصداؤها تتفاعل حتى يومنا هذا, وفي مختلف الساحات.
وبفعل التمرّس – والعادة في بعض الأحيان – تولّدت قدرة لهذا الكائن على استحداث نُظمٍ تتماشى وحاجاته الديموغرافية أحياناً، والسيسيولوجية في أخرى . ولكن يبقى الأدهى من كل ذلك, هو تغيُّر بعض السلوكيات والنظم على حد سواء, نتيجة التأثير المباشر للأيدولوجيا – على اختلاف مشاربها – في هذا الكائن.
فغدا محكوماً – ولاسيما في الشرق – بجملة من النظم التي لها فعل التأثير الأكبر في طور نموه العقلي. وصلت في مرحلة ما – وكنتيجة حتمية لغياب البديل – إلى ذروة التحكّم به . فأمسى لاإرادياً ” مطيعاً ” لها, ومحارباً عنها . ولعلّ التاريخ الذي حفِظَ لنا في طيّاته الكثير الكثير من مراحل مرّت بها أممنا , وشابَته مغالطات وتشويهات – مقصودة أم غير مقصودة – يُثبت لنا مع مرور الزمن سقوط هذه النظم – المقدسات وفشلها . ومع ذلك، وبكثير من التخبّط والمعمعة, ما زال الإنسان رجعيّاً في تفكيره الموروث بفضل طبقة تدّعي ”تسيير شؤونه” وتحكّمها به , تحت مسميّات مختلفة ومتنوعة, ويعدها هو ذريعة للبقاء .
إنّ المجتمعات التي تقدّمت في مراحل معينة وسبقت غيرها، تمتّعت بالجرأة الكافية لخلع رداء الموروث مع مبدأ الحفاظ على الأصالة الروحية. ومجتمعات الشرق لها القدرة في أماكن كثيرة ومختلفة, والطاقة والإمكانية الكافيتين للسير بهذا النهج . فهي في مكان ما , تتمتّع بالأصالة الروحية التي تعطيها وقايةً كافيةً من الموبوء, وأيضاً بالقدرة على خلع موروث لا يتماشى مع النمو الذي تسير به الإنسانية. وليس بالضرورة خلع الموروث أن يكون مقيّداً بفكرة أو نظام , إنما هو تغيير يضرب مواطن الداء العضال الذي أحدث شللاً في أعضاء نهوض المجتمع والإنسان على حد سواء.
الغاية الوجودية على هذه الأرض, لا يحدّها قانون أو نُظم أكانت وضعية أم سماوية.
لذا وعبر قراءة بسيطة للمراحل التاريخية التي مرّت وتمرّ بها الإنسانية, فإنّ الإنسان نفسه هو الخطر الحقيقي والداهم لعملية التقدّم .
فالتبعية المطلقة للفكر والنظم والقوانين, دون تمحيص وتدقيق, أو مناقشتها وطرحها على طاولات البحث التاريخي والفكري والثقافي, ووضعها تحت مجهر العقل المتزن , تجعل من الإنسان عدوّاً لنفسه.
وحتى لا ندخل في دوّامة لا نهاية لها ولا مستقرّ , كالتي نعيشها اليوم في مجتمعاتنا , علينا البحث في داخلنا لنكتشف الجرأة اللازمة والكافية التي تدفعنا إلى سبر أغوار هذه النظم . والبحث العميق في جذور تخلّفنا ووضع الحلول الناجعة والسُبُل الصحيحة للتقدّم . كي لا نبقى نغوص في رواسب القشور , ونفقد القدرة على اكتشاف جوهرية الوجود الفعلي والراقي لنا في الحياة .