قراءة في قصيدة “ليقول شيئا” للشاعر محمد شمس الدين
2019-03-11
مقالات, نقد وفلسفات
310 زيارة
بقلم الأستاذ حسين الريدي
ليقول شيئا
ليقول شيئا لم يجد فمه
لينام لم يعثر على خشب
ليعيش ابصر موته سببا
ليموت لم يعثر على سبب
ماذا رأى في جيد صاحبه
حبلين من رؤيا ابي لهب
بدا انتهى
يتسلق النار التي اشتعلت
في الروح قبل النار في الكتب
دكتور محمد على شمس الدين
في محراب الشعر تكون قداسة الكلمة التي تستمد عنفوانها التعبيري من رشاقة التعبير التصويري القادر على أن يسير على حبل مشدود من طباق الصورة الذى يجعلك تتمايل يمنة ويسرة، وأنت على ذات الحبل الذى تبتعد أقدامك منه، فتجد نفسك فى فضاء سيريالي يحلق بك بعيدا بعيدا فى مدارات من التيه المشبع بسكرة الأداء، وأنت تدندن لحن الآهات الخارج من لباب حنجرة المعاني الرقيقة الحالمة، فنسعد أيما سعادة فى فردوس الشعر المفقود الذى غاب عنا فى زمن الهدر البلاغي والصمم الغنائي، لذلك فحين نلتقى بك إنما نقبض بأيدينا على أيقونة الزمرد الشعرية التائهة فى عالم من بهلوانات الزيف الإبداعي فى مجرة الوطن التائه بعيدا حيث الضياع! وتبدأ القصيدة لتقول شيئا… فما اداة القول؟ إنه الفم فى الوجه وهو عضو الكلام والتعبير، لكن المفاجأة فى تعطل لغة الكلام لعدم وجود الفم… إنه الطباق الذى يأخذ الانسان إلى حيث يتحسس فمه عند القول، فلا يجده… فعلى هذا النهج وذاك البيان يتم سرد بقية أنواع المعاناة لإنسان العصر الوجودي الذى يغلب عليه الإحباط فى كل شيء لينام… لم يعثر على خشب.. وليته كان نوما مريحا، لكن حتى الواح الخشب التي تكسر العظام غير موجودة… فتم الحكم عليه بالصلب من دون أن ينام وفي تحنان بالغ تمضى الصورة المركبة ما بين الرغبة فى العيش إلى ان يموت، ليفتش بعد ذلك عن السبب، فلا يجده! إنها حالة من الضياع الهستيري الذى يتوج بهذا الاقتباس القرآني من خلال تأثر الذات الشاعرة بالموروث الديني من خلال قصة أبى لهب، لكنه وهو يقصها يهضمها هضما ويستوعبها معنى ويفرزها إبداعا مجلجلا، فهى الروح التي تتقلب في النار التي لا تبقى ولا تذر… رائعة بالفعل من خلال تلك الوجبة الساخنة من مجموع الصور المركبة والمتطابقة التي تثير خيال الإنسان وتدفع به الى حيث حمى اللغة وتعبيراتها القادرة على إحياء نبض الحياة…