السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / قراءة في مفهوم الخوف والسارد والثيمات في رواية أهل الظل للروائي رشيد الضعيف

قراءة في مفهوم الخوف والسارد والثيمات في رواية أهل الظل للروائي رشيد الضعيف

إعداد الأستاذ حسام محيي الدين

طالب دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها

رشيد الضعيف كاتب وروائي لبناني مواليد زغرتا 1954 له ديواني شعر وروايات عديدة ترجم اكثرها الى لغات عالمية . أهم مؤلفاته :
حين حل السيف على الصيف ، شعر 1979
المستبد ، رواية 1980
فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم ، رواية ، 1983
أهل الظل ، رواية ، 1987
تقنيات البؤس ، رواية ، 1989
تصطفل ميريل ستريب ، رواية ، 2001 …. وغيرها من الروايات .
صدرت رواية ” أهل الظل ” للمرة الاولى عام 1987 عن دار مختارات في بيروت ، ثم ترجمت الى الفرنسية في تولوز عام 1997 . وطبعة ثانية عام 2001 عن رياض الريس للكتب والنشر .
تمهيد :
إن تقنية السارد هي من اهم الامور التي يتسم بها فن الرواية في العصر الحديث. فالسارد هو الاساس لأنه المتكلم والمتحكم بتفاصيل العمل الروائي ، فضلاًعن العناصر الاخرى من العمل . والسارد هو العكاز الذي يتوكأ عليه الكاتب لابلاغ موقفه من قضية ما في المجتمــع ( اي الواقع من حوله ) ويبقى القارىء الذي عليه التركيز في عملية القراءة لاستنباط ما يراه من اهداف الكاتب وفاق منظوره هو مستنداً على مخزونه الثقافي والفكري .
غير ان تدخل الكاتب في شخصية السارد – للتعبير عن موقفه كما ورد أعلاه – يفرض على هذا الاخير وجهة نظره في الرواية فتكون مضطربة حيناً وساكنة حيناً آخر في انخفاض وعلو بالقياس الى طبيعة علاقته المتقلبة وربما القلقة بمجتمعه ، وإن حاول الكاتب أحياناً الايحاء بالحيادية وبعدم فرض رأي او فكرة ما في شخصية السارد ، وفي كلتا الحالتين : تدخل الكاتب او حياديته ، فإن السارد في وظيفته محكوم بإبلاغ نصه للمتلقي .
غير أن ما حصل في رواية ” اهل الظل ” أخفى شخصية الكاتب بشكل نهائي، حيث استخدم السارد كتقنية ليكشف عن رؤيته للعالم وبصورة صريحة حيناً ومخفية حيناً آخر .
فالسارد في هذه الرواية واحد فقط لا غير ، سارد /مجهول وخائف ولكنه – وان كان عليماً – يبقى غير واضح : فلا اسم له ، ولا صفات ، ولا وظيفة ، ولا هويّة ولاهوايات ، ولا غير ذلك مما يميز شخصه.
إنه الكائن المبعثر الذي ينطلق من الخوف من كل شيء على كل شيء : من القنبلة التي قد تدمر بيته – من إنهيار الوادي على أساسات المنزل – من الدهر على الحبيبة التي ستصبح زوجته – من الأفاعي على ابنه أن تلدغــه – من المرض والفقر على الأهل والاخوة – من الطوفان- وهو الخوف الذي سيصيبه بالارباك الذي سيشعل شرارة عبثية التفكير في كل شيء ايضاً ، وهو ما أحاول تأويله في بحثي الصغير منطلقاً أولاً من التقنيات التي تجلّت في نمط البنية السردية بما تحمل من عوامل مساعدة لاظهار جدلية الخوف والعبث فكرة العنوان أعلاه .
السرد الغنائي مقدمة للخوف والعبث :
لقد استخدم الكاتب من خلال السارد بعض تقنيات السرد الغنائي (1) الذي يتجسد من خلال التصميم لا الحبكة في الرواية الجديدة والذي لا بد من تبيانه في الرواية من اجل الوصول الى الثيمات الاساسية التي يبتغيها هذا البحث في مستويي الخوف والعبث:
فلقد استعمل الكاتب الانحراف السردي المتكرر فمن مكان الى آخر ومن شخصية الى اخرى ومن الحاضر الى الماضي ولكنه انحراف قياسي السرعة :فمن اعتراف الحب لحبيبته ” حين وقع بصرها عليّ فقدت بصري . أحبتني وقلت لها ذلك ” .ليبدأ فوراً بحديث المنزل : ” هل قرأت قصيدة تتحدث عن بيت مبني على رأس جبل … ” (2) . ومن استلقــاء الزوجـة قربه : ” سيكون لي ولد منك . انا اسعد النساء ” ، الى العمال ” الذين يحفرون بالمعاول ويرفعون التراب بالرفوش ” (3) . وهكذا في انحرافات كثيرة تملأ الرواية ، تضرب كل تتابع وترابط سردي فيها، وهو ما يدخلنا في حلقات سردية متداخلة متكررة في شخصياتها وافكارها الى حد كبير مع بعض الزيادة والتنويع في فكرة كل حلقة :
حلقة اولى : الحبيبة قبل الزواج / البيت قيد الانشاء على منحدر صخري/ مع الزوجة في البيت المكتمل البناء /البيت قيد الانشاء…….
حلقة ثانية : الجرافة تعمل في البيت قيد الانشاء / مع الزوجة وولده في البيت المكتمل البناء/ الحبيبة قبل الزواج / البيت قيد الانشاء على منحدر صخري / الأم /
حلقة ثالثة : البيت قيد الانشاء على منحدر صخري / الأم / الحبيبة قبل الزواج / البيت قيد الانشاء …. / ابنه في البيت / الحبيبة قبل الزواج / ….
وإذا ما كانت هذه الحلقات السردية غير متتابعة في الشكل ، الا أنها تصب ذهنياً في دوائر ثلاث تشكل الثيمات الاساسية للرواية فتتناوب على مساحة الرواية مداورةً : يبدأ بالمنزل ( قيد الانشاء) ثم ينتقل الى لقائــه بحبيبته ( الزوجة لاحقا”) ثم ينتقل الى والدته في طفولته ومراهقته وعلاقتها بمن حولها ، وهو تناوب سريع التحرك والانحراف سردياً بين المشهد والآخر لكنه منطقي التتابع فيما لو تتبعنا مسارترابط الاحداث فكرياً لكل دائرة على حدة . فالخط البياني لكل دائرة يسير بخط مستقيم ذهنياً لكنه متقطعٌ متفرق في الشكل ، أي في صفحاتٍ متفرقة بالتوازي مع تفرق المواضيع في كل دائرة من الرواية ، وإنْ تداخلتْ أحياناً مواضيعُ أكثر من دائرة في صفحةٍ واحدة .
فمثلاً نجد الصفحات ذات الارقام : 7-8-13 -14-19- 20 – 32 -34 – 47 – 48 – 49 – 50 64 -70 – الخ…تتناولُ الدائرة الاولى ثيمة واحدة هي المنزل الذي يبنيه مع التفاصيل الكثيرة حول العمال والجرافة والرفش والمعول والباطون وصولا” الى المطبخ وغرفة النوم والتخت والصالون حتى إكتمال بناء هذا المنزل .
وفي الصفحات ذات الارقام : 8 – 9 – 10 – 11 -16 – 17 – 18 – 35 – 43 – 60 الخ…. يتحـدث عن الدائرة الثانية : أيضاً فكرة او ثيمة واحدة هـي حبيبته قبـل اكتمال بنـاء المنـزل، ثم حبيبته ( زوجته لاحقاً) وإبنه ، بعد اكتماله ، مع تفاصيل العلاقة بينهما خلال تلك المراحل.
أما الصفحات ذات الارقام : 21- 24 – 25 – 39- 40 – 44 – 45- 54 -55 -59 – 60 – 71 – 78 – الخ… فهي الدائرة الثالثة اي والدته في تفاصيل علاقتها بوالده واخوته ، بجده،ووالده ، وبجارتها ، وكلها تصبُّ في غرضٍ واحد متعلقٍ بتفاصيلَ حياتية يومية لوالدة السارد .
وهكذا بعد الانتهاء من سرد تفاصيل الدائرة الثالثة ينحرفُ السارد مسرعا” الى الدائرة الاولى ليتابع من المكان الذي توقف عنده في هذه الدائرة فيتابع قص تفاصيل بناء المنزل ، فإلى الدائرة الثانية مع مجريات علاقته بحبيبته ( الزوجة لاحقاً) وولده ، فالثالثة مع والدته ، وهكذا مداورةً في إجترارٍ متكرر للدوائر الثلاث بتفاصيلها المملة والساذجة أحياناً بالنسبة للقارىء ، حتى تنتهي الرواية ! في صورة السرد العبثي الذي يقيّدنا ويأسرنا في حلقات مفرغة مغلقة ، تراوحُ الاحداث فيها مكانها ، ، وهو ما يوحي بتفتّت البنية السردية ودفع القارىء الى الحيرة من أمره اذ انه يتقدم في القراءة فقط دون الوصول الى غاية ما او هدف محدد سعى إليه السارد ، فالبداية تحيل على النهاية والنهاية تقود الى البداية ، في متاهات لا سبيل للخروج منها إلا بانتهاء الرواية وإراحة القارىء منها ، ربما تكريساً لمفهوم رشيد الضعيف في أنّ رواياته ليست لكل القراء وانما هي لقارىء معين بحد ذاته .(4)
عدا عن التفصيل في إشاراتٍ وأشياء شديدة الخصوصية قد لا تهم القارىء في شيء : الأفاعي التي علقت بالجرافة / الهر يلاحق الفئران والجرذان / العقارب المؤذية / تفضيل السكن في الجبل/ الماء حياة الباطون ! الخ… مما لا يلقي اليه أحدنا بالاً ! وهو ما شكل سكونية سردية احياناً ( الصفحات من 47 ولغاية 50 ضمناً تفاصيل مملة عن بناء المنزل) يضجر منها القارىء ، استدركها الكاتب بسرعة في إنحرافه السردي من وصف الى آخر ممسكاً بتلابيب القارىء لكيلا يمل القراءة فيهجر الرواية .
# إن استخدام هذه التقنيات السردية أدت الى تشابك ظاهرتي الخوف والعبث في ذات السارد في جدلية واضحة تعبّرُعن محنته التي لامست المستوى الوجودي فيه كإنسان في تصوير ومحاولة مواجهة الواقع من حوله على قاعدة أن ” العبث مقولة من مقولات الفلسفة الوجودية” (5).
2 – الخوف :
إنبثقت سردية الخوف من قلق السارد على كل ما يشكل اهمية ما بالنسبة له مع اختلاف هذه الاهمية نسبياً بين البيت والحبيبة / الزوجة والولد والام . فهي جميعها مما يريد السارد حمايته والاحتفاظ به بعيداً عن الخطر مهما كان حجمه : ” الجبل ينحدر منذ الأزل وقبل ان يهوي فجأةً عدة امتار عند حرف صخري يعود بعدها ليتابع انحداره سريعاً …. هناك حيث لا مجال للخطأ يجب ان يكون البيت متيناً لئلا يتحدرج الى أسفل الارض . هناك على حافة الحرف الصخري حفرت الحفر لتكون أساساً أكيداً ” (6) .
” صَبّوا القاعدة قبل ان أصل، كنتُ ألححتُ عليهم بألا يبدأوا بالصب ّ قبل وصولــــــي…” (7).
” قد تؤثّر الهزةُ القوية على الحيطان فهي مبنية من الخفان ، حجرٌ فوق حجر ، والحل بناء الحيطان بالباطون المسلح وربطها بالقواعد والاعناق والاعمدة والسطح بحيث تشكل كلها وحدةً متماسكة وهذا مكلف جداً ” (8).
” … وسيلعب ولدنا في الحديقة وأمام عينيه تمتد الدنيا حتى غياب الشمس ، بالتراب، بالماء، بما شاء . وستخرج أفعى من الظلّ وستتجه نحوه وسيقع بصري عليها بالصدفة وسأنطلق نحوه كمن لسعته أفعى وسأخطفه من أمامها قبل أن تبلغه بلحظات… ثم أعود عليها وببندقية الصيد… أطلق عليها النار فأصيبها …” (9) .
” سنشتري بندقية صيد نحمي بها أنفسنا من الضباع والذئاب الكاسرة التي تجوب الأمكنة المنعزلة ” …(10).
” … قنبلة واحدة تدمّر بيتنا. وقنبلة تدمّر بناية. القنبلة الذرية تمحو المدينة . الطوفان يجرف البيت ، والعاصفة تنقله ، والارض اذا انشقت تبتلعه . جارك يجبرك على ترك بيتك “(11) .
تنتشر فوضى الافكار المكثفة بالقلق – الغيرمبرر في احيان كثيرة – لكنه يبقى خوفاً وجودياً الى حد ما يتحدر من الطبيعة حيناً ( التربة – الوادي – ماء المطر ) او الحيوان ( الافعى ) حيناً آخر، او الخطأ الانساني القاتل ( المعلم والعمال ) أحياناً .
إنها ثقافة الخوف في الفترة الحالكة التي سبقت وعاصرت إصدار رشيد الضعيف روايته أي الحرب الاهلية ، ” فلا يمكن لأي نص روائي أن يتخلى عن الزمن وإن كانت خصوصية الكتابة الروائية تجعل هذا العنصر متنوع الاستعمال ” (12) وذلك على الرغم من إختفاء أي أثر أوإشارة لزمن ما محدد يؤطر تفاصيل هذه الرواية زمنياً . إنه الخوف على المصير في كل شيء في الرواية : الخوف من التأخر في بناء المنزل والخوف من انهياره في الوادي / الخوف من عدم بنائه بالشكل الصحيح في اساساته / الخوف من الافاعي التي تظهر بين الاتربة والصخور حوالي المنزل المزمع بناؤه / الخوف من المستقبل لناحية زواجه وانجاب طفل /الخوف من الحياة ومشاكلها على هذا الطفل /
وبذلك وتبعاً لهذه الحالة التي لم ينهض فيها الكاتب الى التحليل النفسي للسارد – الذي هو الشخصية المحورية أوالراوي العليم في الرواية والمتحدث الوحيد فيها – في إيحاء او ربما إقرار منه بنفي أي إسقاط شخصي له ( أي الكاتب) على شخصية السارد ، يبقى هذا الاخير رافعاً ” قضية مأساة الانسان الذي يستشعر موته” (13) ، مجسداً فكرة الفرد / الذات الذي يشبه الآلاف من الناس في المجتمع من حولنا والذي كلما اقترب من ذاته ” الانا ” الخاص ، كلما اقترب أيضاً من ” الآخر” العام اي الناس ، مفضلاً مع ما يرتبط به معنوياً وعضوياً ( الزوجة – الابن – الأم- المنزل) أن يعيش في الظل الذي هو من أهله .
3- العبث :
ترجم السارد خوفه في عبثية الخائف من المجهول والمربك الذي يدور ويدور في حلقات مفرغة ومقفلة متكررة دون أفق والذي انعكس ايضاً الى حد كبير على بعض الشخصيات ليختم الرواية بلا نهايات !
انها عبثية الخطاب السردي الذي تتماهى وتتداخل فيه صور الواقع دون افق واضح ودون الوصول الى هدف ما او غاية محددة ،اعتمد الكاتب فيه صيغة ” الأنا ” أو المتكلم على لسان الراوي العليم وهي الصيغة التي اعتمدها في اكثر رواياته ، مجهّلاً الشخصيات التي لا اسم لها ، باستثناء أحدهم ” سعيد ” الذي ظهر فجأةً في أحد المقاطع السردية ولا نعرف من هو، وقد بلع أفعى صغيرة ثم لفظها بعد ان شرب الحليب في مشهد يتيم واحد لا يقدم ولا يؤخر في تفاصيل الرواية ! :
” وضع سعيد زوادته على كعب شجرة – وهذا خطأ ، الزوادة تعلّق بغصن على الشجرة – فشدَت رائحتها أفعى صغيرة عمرها ساعات ، وتغلغلت فيها .وحين عمد سعيد الى زوادته ليأكل ابتلع الأفعى من دون ان يدري ، فأقامت في معدته وصارت تأكل ما يأكل فتكبر هي ويضعف هو …. وحار في أمره الأطباء … حتى حظي ذات يوم بطبيب مجرّب ….وطلب من اهله أن يوقدوا ناراً تحت دست الحليب …..ثم عمد الطبيب الى ربط رجلي المريض بحبل وعلقه بغصن شجرة فوق الدست الذي يغلي وجلس أمامه ينتظر . كان المريض يصرخ ….. وبعد وقت كان المريض خلاله ينتشق البخار ، تضخم بلعومه وفتح فمه واسعا” …ليبين منه على الفور رأس أفعى تسعى في اتجاه مصدر الرائحة … حتى سقطت في الدست . ” (14 ) .
تنتهي هذه القصة القصيرة هنا وينتقل السارد فورا” الى حوار آخر مع زوجته مختلف كليا” عنها ، في سردية عبثية مبهمة لا حاجة لها أصلاً في الرواية ! فمن هو سعيد ؟ وكيف واين ولماذا جرى كل ذلك له في عجالة هنا في هذه الرواية ؟ !
وكذلك ” سعاد ” التي شأنها شأن ” سعيد ” حيث ظهرت في أسطر قليلة دون معرفة من تكون : ” ضربتني أمي حين لمست الشعر على زند سعاد . كانت أمي أكبر سناً من سعاد، وأمي كانت متزوجة وسعاد كانت عزباء . ولما أوضحت لها أن قصدي لم يكن لمس يدها وإنما التعبير عن دهشتي لكثافة الشعر في يدها وهي فتاة ، كادت أن تطير ، رفعت مؤخرتها عن كرسيها ورمتني بإسكربينتها وعادت لتجلس …” ! (15) .
فمن هي ” سعاد” ! وكيف ولماذا ظهرت فجأةً في الرواية ؟! وما مغزى ألا يكون لسعيد وسعاد هدفاً ما في البنية السردية اوالحبكة الروائية ، وانما فوضى العبث في تحديد معنى للسلوك او التصرف الانساني في النــص الروائي .
ليس ذلك فحسب بل لقد تجاوز تأثير فوضى العبث هذه عند السارد الى المتلقي او القارىء نفسه الذي يحس ايضا” بالعبث والضياع في المضحك المؤلم الذي تدور به تفاصيل الرواية ، مع اعتراف صريح بأن الكاتب قد نجح باستدراجنا الى حقل الفوضى الفكرية/ العبثية التي هي الاساس الأول في خلق محنة السارد المنبثقة من الخوف من كل شيء على كل شيء .
هذه المحنة التي وجدت في العبثية (كتقنية سردية) الوجه الآخر لها كمرآة عاكسة لما يعانيه هذا السارد في المجتمع من حوله ،ربما تماهياً مع الحرب اللبنانية التي كانت لا تزال تعصف بالبلاد وقتئذ حين صدرت هذه الرواية (1987 )، وتكريساً للنزعة العبثية ” التي تأتي حينما يشعر الانسان أن الحياة بدون هدف وأنها مجرد روتين يومي” (16).
ولعدم مجانبة الصواب فإنه علينا الإشارة الى عامل مهم جداً في تكريس فكرة العبث لدى السارد ألا وهو تجهيل العناصر الفاعلة في بنية النص الروائي . فالشخصيات الواقعية الحية في الرواية تبقى مجهولة الاسماء والهويات ( دينية – ثقافية – اجتماعية) عدا عن شخصية السارد التي هي ايضاً شخصية مجهولة الاسم والهوية وحتى الوظيفة الاجتماعية – وإن مرر لنا إسمي سعيد وسعاد في تفصيلين صغيرين ظلّا أيضاً في خانة المجهول واللامجدي قولاً وفعلاً – فضلاً عن تجهيل المكان والزمان بمعنى أن القارىء لا يعلم مكان الحدث او تفاصيل الاحداث في الرواية كما لا يعلم زمن مجرياتها .هي عملية العبث السردي في الشخصيات والمكان والزمان التي شكّلت جميعها رافداً قوياً في تقرير وتكريس الفكرة العبثية وبالتالي فإنه يبقى لنا أن ندرج هذه الرواية في خانة المذهب العبثي الذي أسس له الكاتب والروائي الفرنسي ألبير كامو(17) .
خاتمة :
” أهل الظل” رواية متعبة ، مرهقة جداً ، تحتاجُ القارىء الصعب الذي يحاول فيها تتبّع التدرج الزمني والتحليل المنطقي لتفاصيلها المتناثرة بين ثيمات ثلاث مختلفة : الحبيبة ( الزوجة) – المنزل – الأم – وهي أغراض وإن تناسقتْ وتسلسلت في أفكارها (على صفحات متفرقة من الرواية )، إلا أنها افترقتْ في الشكل الروائي الذي تسربلَ بالسرد الغنائي في بعض تقنياته . إنطلق السارد من إشكاليات الخوف والقلق في كل الامور الحياتية من حوله مما دفعه الى التعلق بأفكار الفوضى واللاجدوى واللااكتراث التي تشكل أساس ظاهرة العبث التي تجلت واضحةً في تفاصيل تلك الثيمات التي تأخذنا الى اللانهايات في خاتمة الرواية .
ومع ذلك تقدم لنا هذه الرواية جمالية بسيطة عفوية في بعض جوانب اللغة التي تمركزت على لسان الفرد الواحد دون حوارات تذكر ، مستمدةً من الواقع مفرداتها العفوية : باطون – رفش – معول – المعلّم – الجرافة – الخلطة – الخزان –الشاناج – الخفّان – علبة دخان – … وهي لغة لم تعتمد العنف في مفرداته ، فضلاً عن اعتماد ضمير المتكلم فيها – وليس الغائب – على لسان السارد الذي ترك الكاتب له مهمة ” الراوي العليم الذي يلم بكافة تفاصيل الرواية ويقود القارىء الى أسرار وعوالم النص الابداعي” (18) .
فهرس المصادر والمراجع :
السرد الغنائي من أنماط الرواية العربية الجديدة ، من خلال التصميم لا الحبكة الروائية ، ينهض على الأحداث والمشاهد التي تعتمد التجاور والتكرار والتداخل والانحرافات والوصف والاسترسال والتأمل والصور الافتراضية ، وهي تقنيات جديدة لتأكيد وتجسيد خصوصية الصوت الروائي العربي .
الماضي ، شكري عزيز، أنماط الرواية العربية الجديدة، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، العدد
355 ، أيلول 2008 . السرد الغنائي
الضعيف، رشيد، أهل الظل،دار رياض الريس للكتب والنشر، بيروت،ط 2،2001.ص 7.
م. ن . ص 10
حوار مع جريدة البيان الاماراتية ، مؤسسة دبي للإعلام، أجرى الحوار رشا المالح، 3 شباط 2013 .
الخوري غريب ، ناتالي ، الشعر العربي الحديث . مقاربات فلسفية ومغالطات صوفية ، دار سائر المشرق ، بيروت ، ط 1 ، 2019 ، ص 13 .
الضعيف، رشيد، أهل الظل،دار رياض الريس للكتب والنشر،بيروت، ط2 ،2001، ص32.
م. ن. ص 32 .
م. ن . ص 49 .
م. ن. ص 27 .
م . ن. ص 67 .
م . ن. ص 53 .
أم السعد، حياة ،رسالة ماجستير: سردية الخوف في الرواية التسعينية في الجزائر. مقاربة بنيوية، جامعة الجزائر ، الجزائر ، عن الانترنت دون تفاصيل إضافية.
الخوري غريب ، ناتالي ، الشعر العربي الحديث . مقاربات فلسفية ومغالطات صوفية ،
دار سائر المشرق ، بيروت ، ط 1 ، 2019 ، ص 28 .
الضعيف، رشيد، أهل الظل،دار رياض الريس للكتب والنشر،بيروت، ط2 ،2001،
ص 76 – 77
م . ن . ص 71 .
كامو ، ألبير ، أسطورة سيزيف ، ترجمة أنيس زكي حسن ، منشورات دار مكتبة الحياة،
بيروت ،1983.
ألبير كامو (1913 – 1960 ) فيلسوف ومسرحي وروائي فرنسي. يعتبر أبو المدرسة
العبثية التي طغت على مجمل كتاباته الفلسفية والروائية. نال جائزة نوبل للآداب عام
1957 أشهر كتبه ” أسطورة سيزيف ” (1942) الذي يقدم فيه فلسفته حول العبث .
الرفاعي ، طالب ، مقالة بعنوان : الراوي العليم أصبح من مخلفات الماضي،جريدة
الحياة، بيروت ، 17 نيسان 2015 .