الأحد , أبريل 20 2025
الرئيسية / غير مصنف / الشاعر د. أيمن القادري: ردد شعري المفتي الثائر.. ولتكن التشريعات خادمة للغتنا!

الشاعر د. أيمن القادري: ردد شعري المفتي الثائر.. ولتكن التشريعات خادمة للغتنا!

الشاعر د. أيمن القادري: ردد شعري المفتي الثائر.. ولتكن التشريعات خادمة للغتنا!

مواقع التواصل الاجتماعي ورثت سوق عكاظ والالتزام الأدبي بوصلتي وترعرعت في أحضان الثورة
مقابلة لمجلة إشكاليات فكرية مع رواد الفكر والأدب واللغة في العالم العربي
حاوره أ. د. أنور عبد الحميد الموسى

الأكاديمي الدكتور أيمن القادري، شاعر وكاتب ملتزم، يتبنى القضايا الإنسانية بجدارة، ورث الروح الثورية من طريق اللاوعي الجمعي لأجداده واخواله وأبيه وأقربائة… فهو يقتدي بأبيه المفتي الراحل الثائر الذي كان يردد أشعاره في خطبه ومجالسه، ويطلب منه إلقاء القصائد أمام الزوار والثوار..
ورث التضحية من خال أبيه الذي التحق بجيش الإنقاذ الذي قصد فلسطين ولم يرجع.. وجده الذي قاوم الاستعمار الفرنسي وحكم عليه بالإعدام…
الدكتور القادري يتقبل النقد ويقول: ليس لي أن لا أتقبله إلا إذا حجرت على نفسي، ويردد: الشعر العربي بخير، ويشدد على أن مواقع التواصل الاجتماعي ورثت سوق عكاظ.. ويعد حاليا مجموعة شعرية تواجه الكيان الصهيوني الغاصب..
ومع أن الكتابات الأكاديمية والأبحاث تشغل وقته، يعشق الشعر… ويشجع المواهب والاقلام الشابة… مؤكدا تفاؤله في شأن الضاد، مع وجود هجمات شرسة على اللغة، وتباطؤ أهلها عن نصرتها، ويقول: إن العولمة من حيث لم يشأ سدنة هيكلها، أسدت إلى الضاد خدمات جليلة… فمن هو هذا الشاعر الغيور على لغته وقلمه؟ ومن أثر فيه..؟ وما موقفه من النقد وواقع اللغة والشعر والمنتديات…؟ ولم تبني مفهوم الالتزام والثورة؟

1-من الشاعر الدكتور أيمن القادري؟

أنا أيمن أحمد رؤوف القادري، ابن مفتي راشيا في البقاع، وقد توفّي عام 2010م، وظلّ طيفه يحرسني ويؤنسني في يقظتي ورقادي. وقريتي الشامخة مع النجوم: “البيره” في قضاء راشيا، لكنّي ولدت عام 1966م في جلالا، فنُقِشَ جلالُ حروفها في أوصالي، وهي تابعة لبلدية تعلبايا في قضاء زحلة. أنجزت دراستي الثانوية عام 1985م، وما زال عبق تلك الذكريات ينعش ذاتي. ثمّ درست الأدب العربي بتشوّق ولهفة في الجامعة اللبنانية بالبقاع، ثمّ بدأت التّدريس، فوجدتُ نفسي. وبعد عام من حصولي على الإجازة خطبت، ثم تزوجّت. وما لبثت أن حزت شهادة الماجستير في دراسة للإعجاز القرآني عند عبد القاهر الجرجاني، ذلك العملاق الفريد. وانتقلت بعد ذلك إلى جوار بيروت، فتابعت التدريس في مدرسة وفي معهد جامعي، وحثثت الجهود حتّى نلت الدكتوراه عام 2006. وتعاقدت مع الجامعة اللبنانية للتدريس عام 2010.
زوجتي منى محي الدين مدرّسة ثانوية وكاتبة للأطفال والنّاشئة والكبار، ولي ثلاث بنات: مروة ورأفة ورنا.

2-متى ظهرت ميولك الأدبية؟ ومن شجعها؟
ظهرت ميولـي في المرحلة المتوسطة، حين كنت أكتب مواضيع في التعبير الكتابي، ويُعجَب بها مدرِّسي، وكان والدي يمتلك القلوب في خطبه الحماسية المدوية، ويردد على مسمعيّ أجود أبيات الشعر العربي، علاوة على قصائده التي نظمها، وهكذا أحببت الشعر. وكنت في الصف التاسع (البروفيه) حين بدأت كتابة أبيات قصيرة متفرّقة. ومع نهاية العام، كان الاجتياح الإسرائيلي المشؤوم، فتدفّق القلم بشعر الثورة والمواجهة. وبعد سنتين بدأت أنشر بعض ما أكتب في الصحف المحلية، وصار أبي يدعوني حين يزوره الناس كي ألقي على مسامعهم ما نظمت، ويطعِّم بعض خطبه بأبيات ينتقيها من شعري. وعلاوة على أبي، كانت الأسرة كلها تقرأ ما أكتب، وتبدي الملاحظات، وتشجِّع.

3-من أثر فيك من الشعراء والأدباء؟

أحببُ كثيرًا شعر المتنبي، وإن كرهت سلوكه في المدح المتزلّف والتعطّش للسلطة، وما زال شعره سراجًا جميلًا أقتبس منه. ويلي ذلك كتابات عمر أبو ريشه العازفة على وتر الذات بوجدانية عميقة، لا أحبّ الانفكاك عنها في كل ما أكتب. ولا أغفل شعر أبي القاسم الشابي، وما فيهِ من نفس ثوريٍّ عذب الصّور بهيج الإيقاع.
وإنّ لكلّ شاعر قرأتُ شيئًا من نتاجِه بصمةً في صفحاتي لا أنكِرها.

4-يلاحظ تبنيك قضايا إنسانية في شعرك.. ما الباعث…؟

هذا ينسجم مع التربية الصافية التي تلقيتها منذ نشأتي، ومـع طبيعة الـجوّ الثقافي الّذي سادَ الفكر آنذاك، حتّى في الكتب المدرسية. ولعلّ روحية الإسلام سبقت هذا كلّه، إذ كان العنصر الديني أحبّ إليّ في الشعر وأقرب مودّة.

5-لم تنحاز إلى الكتابة الملتزمة، لا إلى البرج العاجي؟

كان جدي د.عارف العارف والد أمي أديبًا ثوريًا، أثّر فيّ عبر كتابه “ثورة”. وكان جدّي حسن القادري والد أبي ذا دور موسوم في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وقد صدر بحقّه حكم إعدام، ثُمَّ طُوي، وأسهم خال أبي في جيش الإنقاذ الذي قصد فلسطين، ولم يرجع! وكذلك تولّى عمّي رياض القادري مسؤوليات قيادية في ثورة 1958. ولم يغب أخوالي عن العمل السياسي النضالي. أمّا أبي فقد توّج هذا كلّه، بانغماسه المحمود في الثورة الفلسطينية، وتبنيها في خطاباته وتحرّكاته.
فإذا أضيف إلى ذلك كله كثرة قراءاتي في بساتين سير الأنبياء وأخبار الصالحين، عُرِف أنّني ما كنت لأكون غير ما أنا عليه.

6-أتنحاز للشعر العمودي أم الحديث؟ ولمَ..؟
ما خانتني أوزان الخليل في استيعاب الدفق الشعوري الذي أريده، أو الطاقة الإيحائية التي أطمح إليها، بل وجدت فيها السحر المتجدد، والوعاء الدّرّيّ العميق. غير أنّني منذ بدايات النظم، كانت لي قصائد تتبع إيقاع التفعيلة والتناوب في الروي، كي أواكب المتغيرات، وأكسر بعض الرتابة. أما القصيدة النثرية فلم تستهوِني، فقد وجدتُ أنّ النثر أليق بهذا النمط الكتابي، وليس في إلحاقه بالنثر انتقاص منه، إذ فيه طاقات إيقاعية لا تُغفَل، ومتَّسَع دلالي لا يُنكَر.

7-هل تتقبل النقد؟ وماذا يضيف لك التكريم؟
ليس لي أن لا أتقبَّل النقد، إلا إذا حجرت على ذاتي، وارتضيتُ الجمود، لا بدّ من أن يصغي الشاعر إلى همسات قرّائه، ويدرك ما يستعذبون، وما يرفضون. وكان أبي أوّل ناقد منهجيّ لي، وتلته زوجتي الأدبية والروائية.
أمّا تكريم الأديب فيعبّر عـن تقدير النّاس ونبل سجاياهم، ويظهر أنّ الشعر ما زال له أنصاره ومحبّوه ومتذوّقوه. إنّه لفتة جميلة تنمّ عـن صدق التفاعل بين الطرفين.

8-ما رأيك في الواقع الشعري الآن؟ وما موقفك من المنتديات والمنابر الثقافية المتشرذمة؟

انحسرت بعض الشيء رقعة حضارة الحرف أمام جبروت حضارة الرقم، وذلك على امتداد العالم كله. لكنّ أمّة الشعر ما زالت تقاوم هذا الزحف، وما زال الشعراء يكتبون ويكتبون، برقيّ صاعد، وتألّق واعد. لذلك أقول اليوم ما كنتُ أرفض قولَه في أعوام خلت: “الشعر العربي بخير”. وأظنّ أنّنا ندين بقسط وافر من هذا الصمود للـمنتديات الأدبية، والمجموعات الشعرية في مواقع التواصل الاجتماعي. ولا أرى أن يتمّ التنسيق بينها، لأنّ في ذلك حجرًا على الإبداع. علـى كل منتدى أدبي أن ينافس ويقدّم أجود ما لديه، ليبقي على كينونته، وإن لم يفعل اضمحلّ وتهمَّش.. أمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

9-هل تجد نشر الشعر بغزارة في وسائل التواصل الاجتماعي دليل عافية؟ وما رأيك في ما ينشر؟
ما عادت الدواوين الورقية للشعراء المبتدئين سائغة للتسويق في عصرنا هذا، ولذلك تُعدّ مواقع التواصل الاجتماعي وارثة سوق عكاظ، فيها يجد الشاعر متنفّسًا لنهمه الإبداعي، وتشوّقه إلى الجمهور. وأظّن أنّ الشاعر يعلم متى تكون الغزارة عنصر قوة له، ومتى تكون عنصر ضعف، عبر رصده لردود فعل متابعيه.
وإني لأجد بعض الركاكة أو الخلل اللغوي في جزء مما تنشره هذه المواقع، غير أنني تتبعت مسار بعض أصحاب الأقلام، فوجدت أنهم يتحسنون، ويتقوَّون. وفي النهاية، هي ساحة تنافس، لا يثبت فيها إلا القوي.

10-ما نتاجك الأدبي؟ وما جديده؟
نشرت خمس قصص للأطفال، وعندي أخرى غير منشورة، وكتبتُ بعض المسرحيات، مُثِّلت منها اثنتان. ونشرتُ في الشعر ثلاث مجموعات “من الظلمات إلى النور”، و”عطر الهوى”، و”في المحراب”. الأولى وجدانية والثانية غزلية والثالثة دينية. وثمة قصائد كثيرة مثيرة منشورة في صحف ومجلات محلية، أكثرها سياسي. وإني أعمل على انتقاء مجموعة منها عن مواجهة الكيان الإسرائيلي في لبنان وفلسطين، ليُصار إلى نشرها في مجموعة جديدة.
أحبّ الشّعر، وأرغب أن أسرع في نشر ما تراكم عندي منه، لكنّ الكتابات البحثية تستهلك من وقتي جزءًا كبيرًا.

11-بوصفك أكاديميًا مرموقًا، ما دورك في تشجيع الطلاب على الشعر؟
عملت على تشجيع أصحاب الأقلام المبدعة، قدر وسعي، بالكلمة المشجِّعة، وبالملاحظات التي أهمس بها إلى بعضهم لتصويب مساره أو إذكاء إبداعه، وبالمبادرة إلى إجراء مباريات في الجامعات التي علّمتُ فيها، وبمتابعة صفحات هؤلاء الأدباء الواعدين عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وأرجو أن يتيح لي الزمن أمورًا أخرى أخدم بها فرسان الكلمة، وحاملي المشعل.

12-ما رأيك في واقع الضاد من خلال ما ينشر من شعر؟ وما سبل مواجهة التحديات التي تواجهها؟.. بإيجاز .
أنا متفائل، على الرغم من الهجمات الشرسة على اللغة، وعلى الرغم من تباطؤ أهلها في نصرتها، أنا متفائل، لأنّ لغة الضاد ما زالت شامخة، ولأنّ ظروف العولمة، من حيث لم يشأ سَدَنَة هيكلها، أسدت إلى لغتنا خدماتٍ جليلة، إذ حطّمت الأسوار المضروبة حولها، وذلَّلت لها طرق الوصول إلى كلّ العقول، وقرع كل القلوب.
ولن تكون مواجهة حقيقية للهجمة الشرسة على العربية إلّا بـجهود جماعية تبدأ من أعلى هرم في السلطة، كي تكون التشريعات خادمة لصولة لغتنا، وكي تتبنّى المشروع الحضاري الملائـم لأمتنا، واللغة جزء مركزي فيه.

13-ما كلمتك الأخيرة؟ وماذا تهدي قراء المجلة؟
أشكر هذه المجلة الرائدة في تطلعاتها الواضحة، ومسارها الواثق، وأقدّر عاليًا ما تبذله من جهود حثيثة لتحقيق التفكير العميق المستنير.
وأقول لقرّاء الـمجلة:

إليكم ضَوْعُ إلـهامي
يُسافِرُ حَولَ أقلامي
مِدادِي يَنْتَشي طَربًا
ويَسْكُبُ ذَوبَ أنغامِ
فأنتُمْ نُورُ أوراقي
بليلٍ مُجرِمٍ دامِ
أقولُ لِـجيشِ أشعاري
وهُنَّ فُلولُ آلامي
إذا لم ألْقَ قُرَّاءً
فَفيمَ سَطَرتُ أوهامي؟
إليكم أكتُبُ الـنّجوى
وأُنثُرُهُ على الْـهَامِ