أ. د.أنور الموسى
لطالما شكل التحليل النفسي، أداة نقدية استطاعت تفسير الأدب وعملية الإبداع، من منظار منهجي له أصوله المنطقية… فإذا كان هذا المنهج النقدي قادرا على ولوج عالم النص بعمق.. فإن أسئلة كثيرة تطرح: ما سر شغف الشاعر بالقصيدة؟ ولم يشعر بالراحة بعد كتابة النص؟ وما مظاهر الكبت التي فرغها..؟ وهل فعلا تعد القصيدة أنثى.. تنعكس فيها رغبته؟!
الإجابة عن هذه الإشكاليات ليست بالسهلة، كون التحليل النفسي للأدب متعدد الاتجاهات؛ كالفرويدية والإدلرية واليونغية واللاكانية وغيرها؛ لكن هذا لا يحول دون تقديم وجهات النظر المتنوعة التي قد تفيد الدارسين والنقاد…
فمن منظار فرويدي، يغدو النص الأدبي عنصر تسامٍ، وتفريغا لرغبة مكبوتة في اللاوعي، ساهم ضعف الرقابة أو سلطة الأنا الأعلى في بلورتها، ولعل هذا ما يفسر الراحة التي يشعر بها الأديب عند الانتهاء من الكتابة… وكأني بالكتابة غدت وسيلة علاج نفسي من الاضطرابات والصراعات التي تراكمت عند الشاعر… وقد غالى بعض المحللين في تشبيه عملية نظم القصيدة بالنشوة، وعدها آخرون أنثى، وربطوا عملية الإبداع بالتفريغ الجنسي…
ولذا، لا غرابة في تفسير بعض المحللين الصور الشعرية والرموز والإيقاعات والثنائيات في النص تفسيرات جنسية، مستندة إلى نظرية الأحلام والدوافع…!
وهكذا، تصبح العملية الإبداعية أشبه ما يكون بعملية تفريغ جنسي، من دون إهمال العوامل النرجسية والنكوص والتماهي واواليات الدفاع الأخرى!
وفي مقايل نظرية الفرويديين، يذهب التحليل الإدلري إلى أن القصيدة تمنح الأديب فرصة ذهبية لتأكيد الذات، والتعويض عن نقص ما، ولعل الأديب يجد في الكتابة ما يبحث عنه، أي نقصه المتمثل في نصفه الآخر في سياق الحب والغزل، أو النكوص إلى الفردوس المفقود في سياق العذاب والحنين إلى الوطن/الأم!
وفي مقابل وجهتي النظر السابقتين، يمكن الانطلاق من فرضية أن القصيدة/ الأنثى، ميدان خصب للأساطير الأنثوية، المنبعثة من اللاوعي الجمعي، ولذا، لا غرابة إن وجدناها مفعمة برموز الخصب والانبعاث والحياة، كرمزية عشتار، وجنة عدن والفردوس المفقود، وأسطورة النصفين أي إندروجين!
زد على ذلك، أن النص الأدبي/ الأنثى، يبقى ميدانا خصبا لاكتشاف علاقة الأديب بأمه، الحبيبة أو الوطن او الأنثى، فمن خلال الصور والأخيلة والإيقاع والانزياحات… يمكن التغلغل إلى أعماق الأديب، وسبر أغوار علاقته بالأنثى، وبالتالي كشف إخفاقاته وعقده واضطراباته…
مجمل القول: من منظار نفسي، تتحول القصيدة إلى أنثى وأداة تطهير وعلاج من الكثير من المازم التي تواجه الأديب وإن كان مصدرها الطفولة… لكن السؤال الكبير ههنا: كيف تحل الإشكالية إن كانت الأديبة أنثى؟! وما علاقة الإبداع بالشذوذ والسواء؟ وهل فعلا يشعر كل الأدباء بالراحة بعد المخاض الإبداعي؟!
…وحدها الدراسات الميدانية قادرة على حل تلك الألغاز… في ما يطلق عليه «دراسة سيكولوجية العملية الإبداعية»!