أجرت الحوار الأستاذة الأديبة حكمت شوقي
حوار الأستاذ الدكتور بومدين جلالي
مع : جامعة العرب للثقافة والأدب
أجرت الحوار الأستاذة الأديبة حكمت شوقي
يومالجمعة 31 أوت 2018 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 1_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
كيف يقدم نفسه الدكتور بومدين جلالي لمتابعي حوارنا من الوطن العربي ؟
ج 1_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله …
السلام عليكم ورحمة الله تعالى، وبعد :
بومدين جلّالي إنسان من محبي البساطة والأصالة والثقافة والعدل الاجتماعي في عموم تجليات الحياة، جزائري من السهوب الغربية المتاخمة للأطلس الصحراوي، عربي هاشمي من الأشراف، مسلم مالكي الفقه، أكاديمي حاصل على دكتوراه في الأدب المقارن من جامعة الجزائر، باحث ومبدع متعدد الاهتمامات، أستاذ منذ أربعة عقود من الزمن …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 2_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي كيف يتعامل مع نظريات تبدو مهجورة اليوم كنظرية الفن للفن والأدب للأدب؟
ج 2_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
إن كان القصد هو التمييز بين فن الأدب ومختلف الفنون الأخرى فالتمييز قائم واضح عبر التاريخ الفني الطويل، انطلاقا من المسرح أبي الفنون، ومرورا بالأدب والرسم والنحت والرقص والموسيقى، وانتهاء بالسينما الفن السابع. ولكل من هذه الفنون خصوصيته ومادته وتفرعاته وغاياته التي رافقت ظروف مساره في الزمان والمكان، مع الإشارة إلى أن التواصل التفاعلي قائم بين الفنون كما هو قائم بين الثقافات والحضارات، وله نظرياته وحقوله المعرفية …
وإن كان القصد هو الفن للفن والفن للحياة، فالأول يتلخص في الذاتية الممتعة بشكل من الأشكال والثاني يتلخص في الغيرية النافعة بصورة من الصور…
وبالنسبة لكيفية تعاملي معها … ففي حال القصد الأول؛ إني أرى أن مساحة الوعي الجمالي تتسع وتتعمق عند المبدع كلما اتسع وتعمق تذوقه لأكبر قدر ممكن من تجليات الفنون المختلفة، والوعي الجمالي الواسع العميق يؤدي إلى التلقي الموجب المنماز الذي ينجم عنه إنتاج فني ممتاز … وفي حال القصد الثاني إني أرى أن الكتابة الإبداعية الراقية هي التي تجمع بين روح الفن للفن وروح الفن للحياة، أي لا بد أن يكون النص الأدبي ممتعا بجماليته الأدبية وأدائه المتقن كما يكون نافعا بقابليته التأويلية المنفتحة على ما له روابط بشعور الإنسان ولا شعوره، من غير مباشرة ولا تقرير ولا سذاجة في مستوى معين من مستويات الاهتمام الإنساني …
ومن هنا؛ فلفظ “” المهجورة “” لا محل له حين الحديث عن هذه النظريات لأنها حاضرة دائما ومتخفية غالبا حين ممارسة الفعل الأدبي، الأدبي بحق وحقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 3_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي كيف يرى الحركة الثقافية في الجزائر والوطن العربي؟
ج 3_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
الحركة الثقافية في الجزائر جزء من الواقع الجزائري وهي في الوطن العربي جزء من الواقع العربي … والواقع هنا وهناك – من الخليج إلى المحيط – مأساة بإخراجات متنوعة … الديكتاتوريات الكابسة على أنفاس الشعوب .. الحروب المدمرة ضد الإخوة لا ضد الأعداء .. الرداءة والرشوة والفساد بجميع المعاني وفي كل المستويات .. التقسيمات اللامتناهية من العرقية إلى الطائفية إلى المذهبية إلى الجهوية إلى القبلية إلى العصب المصلحية إلى الجريمة المنظمة إلى غير ذلك من المصائب ذات الوجوه المتعددة والشرور الرهيبة … وهكذا هي مشهديه الثقافة الرسمية السائرة في ركاب الأنظمة المتسلطة التي تقول شيئا وتفعل ما يلغيه ويثبت عكسه … أصبح الفعل الثقافي في عمومه مريضا رديئا مسطحا هامشيا، غريبا عن خصوصية الأمّة، بعيدا جدا عن طموحاتها، يكتفي بملء بعض الفراغات وتنشيط أمسيات المناسبات بما لا نشاط فيه … واستثناء هذه الصورة الكريهة يوجد باحتشام في الطبقات الشعبية المستضعفة لكن كل الطرق المؤدية إلى ظهوره ومساهمته الحرة الفعّالة مغلقة بإحكام شديد حديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 4_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي تتصارع الثقافة العربية حول ثنائيتين القديم والحديث والتراث والمعاصرة ماتصورك كمفكر للخروج من هذه الإشكالية؟
ج 4_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
بداية، لا بد من هذا التوضيح : إذا ما استثنينا قلة من الأكاديميين المنطوين غالبا في هامش من الهوامش؛ لم يبق في حياتنا العامة من تراثنا القديم العظيم إلا بعض الأسماء والعناوين والآثار الطللية والفتاوى الغريبة، والمحتمل أننا سننساها أو نتنكر لها بعد حين … كما لا نملك من المعاصرة الحديثة العظيمة إلا بعض الأسماء والعناوين والخردوات الاستهلاكية والسلوكات الشاذة والمحتمل أنه سيمّحي ذكرها بانتهاء ريع البترول وغيره من الريوع … لذا فالصراع بين الثنائيتين المذكورتين هو صراع وهْمي بنسبة تكاد أن تصل إلى درجة الإطلاق، ويبقى الصراع الحقيقي قائما بين ثنائية أخرى متوارية في ثنايا الصراع الوهمي وتلافيفه اللامتناهية. والصراع الحقيقي المعني يدور الآن بين الجهل المحلي والجهل المستورد، والنتيجة هي الكارثة العامة الطامة في حالة بقائهما متصارعين بدون منافس كما في حالة انتصار أحدهما من غير أي تفضيل … عرب هذا العصر في أمس الحاجة إلى سبيل ثالث، سبيل يجمع بين التراث الوهّاج والمعاصرة التقنية بصياغة فكرية تأخذ بعين الاعتبار الهوية الخصوصية لأهل المكان وفق ما يتفاعل مع هذا الزمان، لا هو سلفي غريب زمنيا ولا هو علماني غريب مكانيا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 5_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي كيف ترى دور النقاد والدراسات الأدبية للإصدارات الجديدة هل يظهر أثرها في حركة الإبداع؟
ج 5_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
الدراسات الأدبية مرتكزة غالبا في الجامعة لنيل الشهادات ثم الترقية في الوظيفة وهي لا تطبع، أو تطبع ولا تنشر نشرا واسعا، أو تنشر وقليل مَن يقرأها لكون المقروئية ضعيفة جدا في الزمن الأخير إضافة إلى كونها تركز أكثر على تاريخ الأدب ولا تأتي بجديد إلا فيما ندر … والنقد بمفهومه العام واتجاهاته السياقية والنسقية المعتادة فقد استُهلك تنظيرا بل شروحا واختصارا لها ولم يبق منه إلا شتات ضئيل من النقد التطبيقي الإشهاري ذي الطابع الإعلامي في معظمه، وهذا لا يكاد يفيد أحدا بتسطيحيته التأويلية ودورانه في مصطلحات ومثلثات ومربعات وخطوط ونسب مائوية، عدم وجودها أحسن من وجودها …. وبما أن المنجز النقدي شبه تائه بين تأريخاته وهندسته ومصطلحاته المستوردة التي لم يدرك كنهها بدقة حتى الذين استوردوها، وبالنظر إلى ضعف المقروئية بصورة عامة والمقروئية الأدبية بصورة خاصة، تبقى فكرة تأثير النقد في حركة الإبداع مجرد وهْم من أوهامنا التي لا تنتهي عند حد من الحدود، كما يبقى الإبداع بأعمق دلالة الاصطلاح حالة نادرة في مختلف الأجناس الأدبية كما في مختلف ضروب الفن، عند الشيوخ والشباب من الجنسين على حد سواء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 6_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
على مدى أعوام طويلة من الحضور في الساحة الثقافية على نحو فاعل ومتميز كتبت الرواية والملاحم والشعر إضافة للدراسات المتعددة أين استطاع الدكتور بومدين جلالي أن يعبر عما يختلج داخل روحه؟
ج 6_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
الإبداع مرتبط بالوجدان دون أن يتخلص نهائيا من العقل، والفكر مرتبط بالعقل دون أن يتخلص نهائيا من الوجدان، وظروف الحياة وحاجاتها الروحية والمادية تجعل الإنسان يتأرجح بين هذا وذاك، مع تداخلات وتقاطعات وتعارضات كثيرة عجيبة بينهما، تبقى أحيانا في المستويات المألوفة المقبولة وتتأزم أحيانا إلى درجة الصراع الدرامي الذي يكشف الأغوار وما خلفها من أسرار … وأنا – كجميع الذين يتحاورون مع الوجدان والعقل من غير تفضيل ولا إكراه – أعبر عن اللحظة بما يناسبها وجدانيا إن كان الوجدان هو المسيطر أو عقليا إن كان العقل هو المسيطر … وفي حال تصالحهما وهدوئهما أدخل في فترة نقاهة أو إجازة أو بطالة أدبية وأنشط في مجال آخر دونما أدنى حرج ولا محاولة مصطنعة لإثارتهما من أجل كتابة شيء لا يلبي حاجة ضرورية من حاجاتهما الغامضة التي لا يمكن تفسيرها بمهارة لا غبار عليها …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 7_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي تجربة الكتابة عند الشباب في دول المغرب العربي هل تشبه نظيراتها في الدول العربية وما هي خصوصياتها؟
ج 7_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
على عكس علاقتي بالكُتّاب من العرب القدامى والمحدثين ومشاهير كُتّاب الغرب الذين قرأت لمعظمهم خلال ما يقارب نصف قرن من الزمان، أنا حاليا لا أقرأ كثيرا للأجيال العربية الجديدة بسبب تراجع قوة البصر وكثرة الأشغال بالإضافة إلى الارتباطات الأسرية والاجتماعية وحاجة الجسم إلى الراحة الطويلة … لذا؛ لا يمكن أن أقارب هذا السؤال بدقة وشمولية وموضوعية … ومن خلال قراءاتي في مجلات إلكترونية لبعض نصوص أسماء قليلة جدا من الجزائر والعراق وسورية وفلسطين والسودان والمغرب والسعودية ومصر وتونس وموريتانيا وغيرها؛ يبدو أن الأداء الفني العربي يسير نحو الأحسن وأن الاهتمام بقضايانا الجوهرية يعود شيئا فشيئا إلى الواجهة وأن روح التخلص من الإيديولوجيات المدمرة بدأت تظهر في كل مكان … ونأمل أن الغد سيكون أفضل بمشيئة الله وإرادة أجيالنا الجديدة الواعية…
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 8_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي العلاقة بين النقد والإبداع علاقة الثابت بالمتحرك كيف ترى هذه العلاقة بصفتك أكاديمي ومبدع في آن معا ً ؟
ج 8_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
قبل الإجابة؛ يبدو لي أن الإبداع الأدبي في كل أزمنته التاريخية الحية كان متحركا وكذلك النقد الأدبي، والثبات في أحدهما أو فيهما معاً مسألة تنذر بالخطر … ثبات النقد عند نظر معيّن يجعله تكرارأ وخضوع الإبداع له يلغي من هذا الأخير صفة الإبداع ويدخله في طور الاجترار ويؤدي بالحضارات إلى الانحطاط أو السقوط النهائي… وبالنسبة لعلاقة إبداعنا بنقدنا في راهن هذا الزمن فهي لا متحركة ولا ثابتة وإنما ضبابية شبه منعدمة ، فالناقد لا يلتفت غالبا إلى الأديب لأنه أديب وإنما يفعل ذلك إذا كان بينهما رابط لاأدبي كالإيديولوجيا أو الطائفة أو الجهة أو ما يجري هذا المجرى والأديب لا يلتفت إلى الناقد إلا إذا مدحه وأشهره بين الناس ولو بدون وجه حق … هذا مع التنبيه إلى اهتزاز الكتابة عند معظم من يسمون أنفسهم نقادا وأدباء من طينة الكبار الذين يستحقون التمجيد، بالإضافة إلى ضعف النشر وضعف التوزيع وضعف المقروئية … ربما سيتجلى الاستثناء في الذين لا يتطاولون ويسمون أنفسهم كبارا قبل أن يسميهم القارئ كبارا بدون علاقة لاأدبية …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 9_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي يتحدث الكثيرون عن ضعف مستوى التعليم في الوطن العربي مما يؤثر سلبا على اللغة العربية وآدابها وبالتالي الإنتاج والإبداع كيف ترصد تلك الإشكالية في الوقت الحالي؟
ج 9_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
مدارس بلاد العرب وجامعاتها الحديثة العمومية ضعيفة – بفعل فاعل – في مشروعها وتأطيرها ومناهجها ووسائلها – مع التفاوت قليلا في هذه الأخيرة – وبالتالي فهي لا تعلم وإنما تستقبل المتمدرسين لتحتفظ بهم حينا من الوقت وتمحو بعض الأمية ثم تسلم لهم شهادات فارغة معرفيا لكنها ضرورية حين التوظيف من أجل أكل الخبز …. ولهذا؛ فهي لا تؤثر سلبا على اللغة العربية فقط وإنما تؤثر على جميع المواد والاختصاصات ومستقبل البلاد في مختلف القطاعات ….. والسبب الجوهري وراء كل ذلك هو أن هذه المدارس وامتداداتها الجامعية أسستها الأنظمة اللاشرعية الحاكمة من أجل تكوين مناضلين اصطناعيين يدافعون عن هذا النظام أو ذاك دونما وعي باللاشرعية والفساد الناتج عنها، ولم تؤسسها من أجل تكوين مواطنين صالحين يعملون لازدهار وطنهم ويدافعون عن هويته وحريته واختياراته الشعبية ومصالحه الإستراتيجية … وحل هذا الإشكال هو مغادرة فكرة تكوين المناضل المصفق للحاكم والدخول في فكرة تكوين المواطن الصالح للبلاد، مع ترقية التعليم إلى رتبة القطاع الأول في كل البلدان العربية، بما يترتب على هذه الرتبة من اهتمامات منمازة ممتازة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 10_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
من خلال قراءتي لشخصكم الكريم وجدت أنك سباح في مياه متعددة لكنك غواصاً في مياه الدراسات النقدية هل أبعدتك بشكل أو بآخر عن مياه الإبداع والخيال؟
ج 10_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
لا أدري بدقة …. ربما اشتغالي بالتدريس في الجامعة هو الذي جعلني أركز أكثر على البحوث والدراسات، بخاصة وإني أشرف على اختصاص الأدب المقارن الذي يتطلب جهودا إضافية موازنة بغيره من الاختصاصات، فهو يحتاج إلى لغات متعددة وبحث عن الجديد وترجمة ومتابعة قريبة للطلبة وتأليف دقيق وما إلى ذلك … أو ربما لكوني لا أرى الكتابة الإبداعية احترافا وإنما هواية أمارسها في الأوقات التي تسمح بذلك … ومع هذا لقد كتبت إبداعا يراه المقربون مني كثيرا في حقلي المنظوم والمنثور …. وللإشارة؛ جزء ضخم من منجزي الإبداعي لم ينشر بعد …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 11_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي كيف يمكن النهوض باللغة العربية وآدابها في المجتمع العربي بعد دخول اللكنات الغربية ؟
ج 11_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
ليت الدخول اقتصر على اللكنات ولم يتجاوزها إلى الكلمات والعبارات والكثير من التراهات التي لم تضف شيئا وإنما استُثمرت استثمارا إجراميا محاولة للتقليل من شأن اللغة العربية المعجزة بجمالها والمبهرة بسعتها والرائدة بقدرتها على التجدد المستمر انطلاقا من جذورها من غير أن تفقد مقدار ذرة من أصالتها وبلاغتها … هي هجمة الإنجليزية في المشرق العربي وهجمة الفرنسية في المغرب العربي، لا من الإنجليز والفرنسيين وإنما من عبيد الإنجليز وعبيد الفرنسيين الذين باعوا حريتهم بدون ثمن غالبا ولم يفكروا قط في استرجاعها حبا في الرقّ الحضاري والدياثة الثقافية … والنهوض بلغتنا العربية الرائعة وإعادتها إلى الحياة العامة والخاصة في شكلها الفصيح وشكلها العائلي يوجد بين أيادي الأصلاء والأصيلات في مستوى الأسرة ومستوى التعليم ومستوى الإعلام ومستوى الهيئات العامة ومستوى المؤسسات الرسمية، إذْ لا كلام ولا سلام ولا تعامل إلا بها دون استخدام هذه الرطانة التي لا تفيد شيئا … وهذا لا يعني أني ضد اللغات الأجنبية بل أنا مع تعلم عدة لغات أجنبية وإتقانها إذا أمكن، لكن بشرط استخدامها في مكانها المناسب، بخاصة في نقل مختلف المعارف المعاصرة الضرورية إلى العرب بلسانهم الأصيل المبين وفي التواصل مع غيرنا من الشعوب والأمم التي لا تجيد لغتنا، كما يحدث في كل بلدان العالم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 12_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي هل من الضروري أن يقابل كلمة استنارة في الفكر كلمة ظلامية؟ وهل يصح إطلاق كلمة ظلامي على الفكر؟
ج 12_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
” استنارة ” و ” ظلامية ” مصطلحان من قاموس اللائكية / العلمانية التغريبية التي اعتنقتها بعض النخب العربية بشقَّيْها اليساري والليبرالي، ويدخلان ضمن ما أشرت إليه أعلاه بعبارة ( الجهل المستورد ) لأن كليهما اسم على غير مسمى، أي بدلالة عكسية مناقضة للحقيقة الواقعية التاريخية … فالمستنير حسب زعمهم هو التغريبي عدو الدين وعاشق الحضارة الغربية بتجلياتها الفكرية ذات التوجه اليساري الذي يسير نحو الاندثار بعد سقوط السفيات أو التوجه الليبرالي الذي تطور إلى رأسمالية استعمارية متوحشة عابرة للقارات وما نتج عنهما من سلوكات اجتماعية يدخل معظمها في الشاذ والإباحي بحماية نص القانون الوضعي وسلوكات استعمارية مشخصة في نظرية “” نهاية التاريخ “” وما يضمن لها السيطرة على الإنسانية والكون من “” حرب ضرورية “” كالحروب الظالمة التي اصطنعها الغرب الهمجي في بلاد العرب والمسلمين … والظلامي حسب زعمهم دائما هو المؤمن بالله الذي يتكلم بلسان عربي قرآني ويريد أن يعيش بثقافته في إطار حضارة انتمائه بخصوصيتها التي تنماز عن الخصوصية الغربية في مبناها ومعناها بتحريمها بالنص الإلهي للشذوذ والإباحية والظلم بمختلف تمظهراته المادية والمعنوية … وبناء على هذا يظهر جليا أين توجد الاستنارة وأين توجد الظلامية … ولعل قائلا يقول : أطلِق مصطلح “” الظلامية “”على ممارسي الإرهاب أساسا وهم من أهل الإسلام … وللتوضيح أقول : الإرهاب صناعة غربية بامتياز ولا علاقة للإسلام به ، لأن هذا الغرب وامتداداته هو من خطّط وكوّن ودرّب وموّل ثم اخترع فكرة محاربة الإرهاب لتدمير الجزء بعد الآخر من بلاد العرب والمسلمين … وقبل ذلك فالغرب هو من استعمر غيره وأباد أمما بكاملها وأشعل حربين عالميتين قتل فيهما عشرات الملايين من الناس كما قتل في بلاد العرب مغربا ومشرقا الملايين وراء الملايين وما يزال يقتل … فإذا كانت هناك ظلامية فلا توجد إلا في الفكر الغربي الذي عمل بمركزيته الأوربية ويعمل حاليا بعولمته على محو الآخر المختلف فكريا ويجعله عبدا تابعا له، وإن أبى سيقتله بتهمة الإرهاب أوما شابهها من التهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 13_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي ما هي الرسالة التي توجهها للأدباء الشباب في الجزائر والوطن العربي ؟
ج 13_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
أكتفي بالتنبيهات التالية : –
أولا – لا تنتظروا من الجامعات العربية شيئا ذا أهمية كبيرة باستثناء شهادات شبه فارغة لكنها ضرورية حين التوظيف … لذا عليكم بالتكوين العصامي المستمر.
ثانيا – استخدموا التقنية المعاصرة مثل المذياع والتلفاز والهاتف والأنترنيت استخداما معقولا محدودا ووجهوا تركيزكم إلى الكتاب والنشاطات الثقافية العلمية المختلفة.
ثالثا – لا تجعلوا من أنفسكم مناضلين مطيعين في خدمة الحكّام بل كونوا مواطنين صالحين في خدمة بلدانكم وشعوبكم.
رابعا – تذكروا دائما أن الأدب رسالة حضارية ضرورية وليس مجرد وسيلة للمتعة أو ملء الفراغات تحت الطلب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 14_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي في ضوء ما نشهده بلادنا العربية من أحداث اين وصلت فكرة تقبل الأخر في الأدب العربي ؟ هل قصر الأدب في إرساء قيم التسامح والمحبة بين أبناء الوطن الواحد؟
ج 14_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
بدأت حرب الإخوة الأعداء في الزمن الجاهلي مثل ما حدث في حرب داحس والغبراء وحرب البسوس وما إلى ذلك ، وهي مستمرة إلى يوم الناس هذا بمأساوية ما بعدها مأساوية… والأدب بوصفه ظاهرة من ظواهر حياة الأمة هو عنصر فاعل فيها بالسلب حين التشجيع عليها وبالإيجاب حين الوقوف ضدها، ولا يمكنه أن يكون غير ذلك لأنه تعبير عن واقع مرير تتصارع فيه الحماقة بالحكمة … ولكي تنتشر قيم التسامح بيننا فلا بد من تديّن سليم رحيم نابع من مصادره العذبة، ولا بد من تربية سليمة رحيمة نابعة من العقل والقلب معا، ولا بد من ثقافة سليمة رحيمة نابعة من هوية الأمة وحضارتها، ولا بد من سلطة سليمة رحيمة نابعة من الاختيارات الشعبية بهدف خدمة الصالح العام ….. وهذه الأمور غير متوفرة حاليا أو على الأقل ناقصة كما كانت ناقصة في جل فترات تاريخنا المليء بالدماء والدموع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 15_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي هل أثرت التقنيات الحديثة على تطور الأدب العربي أم انه أدى إلى تراجعه لانشغال الكتاب بالتواصل الاجتماعي وإبداء الآراء ؟
ج 15_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
الأدب العربي تراجع قبل عصر التقنيات نتيجة خضوعه للإيديولوجيات المستوردة بدون أدنى وعي ولا نقد، بالإضافة إلى سيره في ركاب أنظمة لاشعبية ولا شرعية جعلته أداة للدعاية والتهريج والتعدي على قيم الأمّة، كما تراجع نتيجة تنكر معظم النخب المستغربة لدور اللغة في بناء روح الأمة، وهو تنكر مموَّهٌ ماكر لأن الهدف منه ليس هو اللغة العربية وحدها وإنما هو العمل على فصل الأمة عن تراثها العظيم ودينها الحكيم لتصبح مادة سهلة طيِّعة في يد التغريبيين / المستغربين ورثة الاستعماريين … أما التقنية على ما فيها من علل وخلل وخطل – نتيجة قلة الوعي بالأساس – فكانت إيجابيتها على الأدب العربي أكثر من سلبيتها لأنها على الأقل ساهمت في تحرير صوت الآخَر المختلف المعارض المغيّب قصدا، كما ساهمت في إعطاء الكلمة للشباب العربي المنظور إليه بعين الريبة والنقصان … صحيح أن الغث تغلّب مؤقتا على الجيّد في ما يُعرَض من منشورات لكن الوعي المسؤول بدأ يقاوم والزمن كفيل بالغربلة …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 16_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
دكتور بومدين جلالي هل تعتقد أن الصراع اللغوي في الجزائر له أسباب موضوعية؟ وهل هناك صراع بين الامازيغية والعربية؟ ما أسس هذا الصراع وكيف تتوقع أن ينتهي ؟
ج 16_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
ليس هناك صراع بين العربية والأمازيغية لأنهما تعيشان جنبا إلى جنب دونما إحراج ولا إزعاج منذ عشرات القرون ( منذ وصول الفينيقيين قبل 35 قرنا، ومرورا بكل الهجرات العربية المتتابعة، إلى غاية يوم الناس هذا ) وإنما الصراع قائم بين العربية والفرنسية التي اتخذت من الفرنكوبربريست الانفصاليين وبعض الفرنكوفيليين العلمانيين من العرب والبربرمعاً وسيلةً لإدارة الصراع وتغطيته بغطاء محلي … وهذا بدأ قبل الثورة التحريرية المجيدة التي طردت الاستعمار الاستيطاني الفرنسي البغيض وهو مستمر الآن لكن عموم الشعب الجزائري بعربه وبربره من الوطنيين الأحرار الأبرار يرفضون اللغة الفرنسية الاستعمارية المتراجعة حتى عند أهلها ويؤيدون سيادة اللغتين الوطنيتين في بلادهما.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
س 17_ الأستاذة الأديبة حكمت شوقي :
قيل أن حواء كانت أول شاعرة في التاريخ وأول الفلاسفة كان آدم الى أي مدى أنت مع ذلك؟
ج 17_ الأستاذ الدكتور بومدين جلالي :
هذا تعبير مجازي بعيد عن حقيقة الشعر وحقيقة الفلسفة وفق الدلالة الدقيقة للمصطلحين …وهو يعني أن حواء تستخدم قلبها أكثر من عقلها وان آدم يستخدم عقله أكثر من قلبه … وهذا في نظري غير صحيح وغير مطلق على الدوام لأن آدم وحواء لهما مشاعر تستدعي الشعر ولهما أفكار تستدعي العقل، وظروف الحياة بما ظهر منها وما خفي هي التي تحدد للإنسان – ذكرا كان أو أنثى – متى يكون شاعرا، ومتى يكون فيلسوفا، ومتى يكون شاعرا وفيلسوفا معاً، ومتى يكون لا شيء أو قريبا من اللا شيء، بالمعنى المجازي المبهم أو بالمعني الحقيقي الدقيق أو ببعض ما في المساحة الشاسعة الواسعة بينهما ….. وهكذا حدث في تاريخ البشرية كلها بغير استثناء يذكر.
وشكرا جزيلا على الأسئلة الراقية التي فتحت لي أفق مقاربة بعض القضايا التي لا ترد إلا نادرا على اللسان ……………. مع تحياتي واحتراماتي لجميع القراء بجنسَيْهم.