السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / سأكتب قصتي، ولأوّل مرّة..!

سأكتب قصتي، ولأوّل مرّة..!

بقلم فرح غزال

سأكتب قصتي، ولأوّل مرّة..!
وعلى الرغم من معرفتي أن أوّل قارئ لها سيتفاجأ، سيذهل، ستتحوّل أفكاره الى علامات استفهام لا يملك جوابها سواي..
لكن كفاني الصمت، كفاني الكذب على نفسي قبل المجتمع..
والآن سأبدأ، دون تردد، ودون خوف، حتى انني لن ابكي ان احسستم بالشفقة عليّ، فأنا لا اقل بشيء عنكم، سوى ان قدري لا يشبهني، سوى ان صدفتي لا تريد ملاقاتي، سوى انني انا، وان هذه قصتي:
في عمري العشر سنوات، والمفروض بأن يكون عمر الطفولة، بدأت بعمر الشيخوخة، حين فقدت روحي، فقدت اغلى من املك، فقدت اهلي..!
نعم لا تصدموا من اعترافي..
ففي عمري العاشرة تعرضت انا و والداي الى حادث قوي في السيارة.. امي دخلت الى الطوارئ و بعدها بأيام ألقت الوداع النهائي.. وابي في لحظتها قبض على يدي، داعيا لي بالتوفيق وذهب الى حيث لا يعود.. اما انا فكنت نصف مدركة لما يحصل، لم استوعب كثيرا سوى نظرات ابي وقبضته وضجيج الناس حولنا.. اما انا و عندما اردت الوقوف لم استطع، لم؟ وهنا المفاجأة الثانية بعدما نقلنا جميعنا الى الطوارئ.. “شللت”، نعم فقط فقدت حركتي من قوّة الحادث..
هل سأتعالج..!؟ وكيف..!؟ وصدمتي بفقدان والداي اقوى وجعا و حرقة من وقوفي او حركتي او ايّا كان.. يا ليتني مت قبلهما..
بعد مرور شهور طويلة تفوق السنة، اقنعتني اختي وخالتي بقيام العلاج الفيزيائي لأصحّ، وحتى يكونا امي و ابي سعيدان بي.. كما انني خضعت لعلاج نفسي كبير لفقدي النطق من قمة الصدمة..
لكن ما نفع الكلام، ان كانا من يسمعاني قد تركوني..
يا الله لا حكم على قرارك ولا قدرك، ولا قدرتك، لكن يا ليتني لم اعش لهذا اليوم، ليتهم لم يذهبوا باكرا، فقد اوجعوا قلبي وغرزوا في اعماقي حرقة لا تنطفئ بمرور السنوات..
عشر سنوات مرت على غيابهما و انا اكبر كل يوم بدون حنان الام، بدون انتظار الاب عند عودته من العمل ليحمل لنا الطعام اللذيذ و الالعاب، اشتقت لكلمة (ماما) و (بابا)، كل من حولي يقولوها للاشخاص الصح، إلا انا اقولها لخالتي، التي تبنتني انا و اخوتي و اصبحت امنا، وعلى الرغم من الشبه الدقيق الذي لا فرق له بين امي وخالتي إلا انني حتى الآن يحترق قلبي وجعا عندما اتلفظ بكلمة ماما لها، رغم محبتي التي لا حدود لها، رغم شكري و امتناني، رغم كل شي..
لكن…
هذه امي و هذا ابي..
لا داعي لأن اوضّح، فكلّنا نعرف ما معنى الام ومن هو الاب..
بعد الثلاث سنوات من وفاتهما شفيت انا تماما طبعا بمحبتهما و بدعوات اختي التي تكبرني بثلاث سنوات، وكانت سندي الاوّل بعدهما..
اكملت حياتي وانا بكل ليلة ادعو لهما بالرحمة و المغفرة.. بكل خطوة اتذكّر نصائح امي، و قيم ابي.. كانوا مرآتي رغم غيابهما..
حتى انني فوجئت بكتابا لهما موجودا في درجهما، كانوا يكتبون معا كل اسرارهما و يومياتهما، يا الله كيف اشبههما بكل التفاصيل.. حقا كانوا قدوتي و املي في الحياة..
و بعد الرحيل مات الامل.. حتى إلتقيت بشخص احسست انه يشبه قلب والدي، حقا أحببته، احببته بجنون، كان سندي في كل شيء، اشكو له ما يزعجني، او من يضايقني، كان يساعدني في امور عديدة.. حتى احسسني بحبه و حنانه، اصريت الا اخبره عن ماضيّ حتى لا يحبني شفقة، وانا اكره هذا، فتجنبت اخباره، واكملت معه، كان كل يوم يشبعني غزلا حتى ارتوي، حقا احببته لدرجة الجنون، ولكن.. مع الاسف، لم يكن كوالداي، هم لم يقسوا عليّ يوما، و هو….!؟
اشبعني قهرا بعدما ارواني غزلا، احرق لي قلبي من جديد، كسرني من جديد، كان صدمتي الثانية في الحياة، من البداية لم يستحق ان اساويه بأهلي فهو شي و هم اشياء، كم كنت غبية رغم تحذيرات والداي لي في دفترهما..
لكن هذه التجربة اتمنى ان لا تتكرر، اتمنى ان اجيد الاختيار في المرة المقبلة..
واريد ان اعتذر من والداي على هذه الجريمة بحق تربيتهما لي، و بحق قلبي المكسور..
«اللهم ارحمهما كما ربياني صغيرا»..
ها هي قصتي، لا اقدر على تحديد موضوعها، لا اعلم إلا أنها حطمتني مرة ثم اعادت لي الحياة، وبعدها قتلت قلبي حرقة و وجعا..
فماذا بعد..!؟