بقلم الأستاذة صباح العلي
مفارقات…
من تلك الأمواج السائرة على الصخرة التي هوت إثر تململ الأرض ، و تثاؤب البحر ،بدأت رحلة المفارقات..
.لن تنأى بتفكيرك بعيداً عن مدار الترقب ، ففي حقيبة ألوان _بابلو بيكاسو_ لون واحد يكتب سيرة البؤس ، و يروي حكاية الشجن ، إنّه اللون الأزرق…
اللون الأزرق الذي رسم مرحلة مهمة من حياة _بابلو_ و الذي ساعده على ولادة لوحة (عازف قيثارة المُسنّ) .فرسامنا الإسباني ترّجم على نمط التشكيل الفني مأساة صدمته في حياة عاجزة عن أن تساير تدفق آماله المحطّمة ، و كيف لا و آماله تسقط تباعاً عند رصيف الخيبة. و كأنّ المساحات الزرقاء التي يؤثثها _بابلو_ بأبطاله من شخصيات و رموز تشي بانحباس الأوكسجين.
وهي نفسها الزرقة أو لنقل اللون الأزرق الذي يطيب لأهل الاختصاص من الباحثين في علم النفس و السيميائيات أن يعمّقوا دلالته الباعثة على الاسترخاء و تحسين المزاج و محاربة الاكتئاب..
في الحادي عشر من شهر تشرين الثاني و بعد مرور عامين لعقد الهدنة بين الحلفاء و ألمانيا من عام 1918،دفنت فرنسا بقايا جندي مجهول من جنودها تحت قنطرة النصر في باريس باحتفال كان نادراً بهيبته تخليداً للجندي. وفي بلاد العرب يكون أكبر حلم للجندي أن يغمد جسده بعد استشهاده في رمس ، كي لا يبقى هذا الجسد في العراء تقبّله الشمس ، و تغسله السحب ، و تحجّ إليه الرياح …
عندما يختلف في الرأي أيّ كان من الإنكليز في محاضرة أو مناقشة يأتي بحجة من شكسبير لإقناع مستمعيه ، و الفرنسي يأتي بحجة من فولتير ، و الإيطالي يأتي بحجة من دانتي ..وماذا عنّا نحن العرب يغلب علينا الصمت و السكون.!!.
حتّى في اللغات هناك مفارقات . فزمن الفعل في عائلة اللغات اللاتينية هو المستقبل ، لذا فهم يقررون مستقبل العالم و لا يهتمون بماضيهم . و في اللغة العربية نجد أنه يغلب عليها زمن الفعل الماضي فبأيّ سحر سطت علينا أراجيف الغرب في دعواته حتى بتنا نعتقد أنّ قوّة الأمة في ماضيها ، فلا نشبع من التحدث عن أمجاد أسلافنا ، كأنّ كسيحاً يستطيع أن يستغني عن عكّازه إذا هو ردّد على مسامع الناس بغير انقطاع أنّ أباه أو جده كان أمير الفوارس و سيد الميدان.. رحم الله _ الماغوط_ عندما قال:(ما الفائدة إذا كان الاسم صحيحاً..و الوطن نفسه معتلّ)…