بقلم مريم علي بشروش
كنتُ على حذر دائماً من أن لا اقعَ بالدّاومةِ التي تسمى الحب .. أن لا يسقطَ عليّ جرم العشق و لكن ما لبث ان سقط .. كعابر سبيل مرّ .. و لكن ترك فيّ ملامح وجهٍ بعثرت انوثتي لاول مرّة .. أشلاء نظراته بقيت شظايا في اعمق نقطة .. و نسيت ان كيدي يزلزل الارض ويمكنه تغيير تضاريس عالمه .. و لم يكن بوسعي ان افعل شيءً سوى ان اكمل طريقي بخيبة بعد بعده الاول .. لكي لا اهزم .. انتشلت جثتي الهامدة .. تخلصت من وحشية تصرفاته القاسية .. وبكيت من انين عزف الناي في فؤادي .. و ما لبث القدر ان يلعب لعبته .. تحادثنا بعد اشهر .. بعدها تلاشت كل افكاري حول ذاك الوحش الكاسر .. كنت اظن انه اقوى و اقسى المخلوقات ..اشدها صلابة .. و اكثرها بهجة .. لكن لم ادرك قط ان قلبه كقلب طفلٍ مكسورٍ محبط تملؤه خيبة امل .. لم يرى قوس قزح .. و لم يذق غزل البنات .. ملامح قوة مزيفة لاجمل و ارق قلبٍ مرّ في عالمها .. ففيه اعمق من حنان ام و اكثر من شهامة الاخ .. و خوف الاب .. عالم غريب يسكن اعماقه .. و كلمة السرّ في فؤاده باتت مشفرّة حتى إشعارٍ آخر رأيت ملامح وجهٍ سمعتُ دقاتَ قلبي تتراقص معها .. و ضوءٌ ألقتهُ عيناه شتَّتَ افكاري ، وتعثّرَ هذا الفؤاد و بدأتِ القصة .. كان اغرب لقاء ، القيتُ نظرةً في كل الوجوه الموجودةِ وجدتها غريبة و مظلمة عدا ملامح ذاك الجميل .. فكلُّ تفاصيله كانت مألوفة .. و كل تفصيلة عانقت جزءً منّي .. و لطالما طرحتُ السؤال نفسه مرّات عدّة .. و لم اجد ايّة اجابة ! و في كلّ مرّة اقسو بكلماتي و ادعي انّني قوية لا يهزمني رجل .. اجدُ بأنّ حبه يتغلغل داخلي ، أقسو كي لا يتمختر الوقت أمامي و لا ألتقيه،، كي لا تنسف هذه الدقائق روعة الحضور ، أخاف إنتصافة الأشياء .. فأقسو لعنة للغياب .. فكرة غيابه تذبحني من الوريد الى الوريد .. فقصتي معه ، تشبه قصة طفلٍ لا يستطيع العيش دون امه .. لا و بل كقصة مريض يعيش على الاكسجين .. دونه يفقد الحياة .. فهو كان الام و الاكسجين معاً .. و احتلّ كياني دون سابق اتفاق .. كحضن هذا الطفل البريء ترائت لي نظراته بلمعتها .. ترتجف يداي حين يبصرُ إسمه النور على هاتفي ، تزقزق هذه الشرايين فرحا ، و ترقصُ تلك الدقاتِ داخلي .. واحدة تلو الاخرى .. كانت فِي عينيّهِ السوداويتين الغارقتين شيءٌ دافِئ أكثَر منْ حرارة اشهر تموز.. واذكر في ذاك المساءِ أنّي لأوّل مرّة اغمضتُ عيناي و تمنيتُ ببراءة طفلٍ فرحٍ بأن يطيل الله هذا الدفء .. أن يطيل الله هذا المدّ الجميل الذي رسمته عيناي نحوه ، أن يجعل الثواني هذه ممددة إلى الأبد ، أن لا ينقطع هذا الجسر الجميل الذي سرى في روحي .. وضعت كبريائي جانباً .. حدّثتك دون اذن و دخلت بابك دون ان اقرعه .. و على غفلة بعد كل ما حدث جائني صمته بالفرح ، دعاني لألقاه ، تأنقت و لإجله ذهبت .. و لم اعلم انّي سأكون بكلّ هذا الضعف امام عيناه .. فصقيع الخجل في يداي سرعان ما ادفأته اوّل لمسةٍ عند سلامٍ غرقت يداي في خندق نعومة هذين الكفيين ، نعومة كملمس الجوري تشتم منها السلام ، الإطمئنان و الحياة ..
وبعد ذاك اللقاء ادركت ان الوطن لا يكمن على رقعة ارض انما وطني يكمن بين ذراعيه .. فرسمت خط الانسحاب لاني وجدت احتمال اللاحب فيك محال .. و بعدها علمت ان غيابك ليس بحلٍ كافٍ حتى انساك ، فسلكت ذاك الطريق بخوف ، كل الاشياء حولي تذكرني بك .. و كل الدروب تقودني اليكَ ، استعمرَ وجهُكَ كل الوجوه التي اصادفها .. كفى .. كفى تظهر في كل الوجوه و تحبطَ مسعاي في تخطيك ، فاذا كان عليّ أن أناضل .. قول لي ، كيف أستردك يا وطني؟!
قوتي ، عزمُ ارادتي اجبراني على أن اكملَ طريقي .. نجحتُ ، وحين وصلتُ الى نقطة النهاية عدتَ من جديد .. و كأنّك كنت واقفا” تتأمّل محاولاتي للوصول دون جدوى بعيون المنتصر على العدم ؛ فانتفضت حينها كلّ كلماتك .. ضحكاتك .. نبرات صوتك .. و حلقّت عيناك في افق عالمي ، هزأت منّي و علمت انّك بطل كتاباتي .. لم تهتم . لم يعنيك الامر و تجاهلته .. احببتك جهراً في كتاباتي و الآن سرّاً حين يستغرب من حولي ابتساماتي المفاجئة .. فكل خطوة أخطوها اليك تخطو ثلاثاً عنّي ، لا املك سلاح سوى الصمت .. فما لي بُعدٌ بَعدَ بُعْدِكَ بعدما تيقنت ان البعد و القرب واحد .. أتذكر حين اتفقنا أن نلتقي في مطلع قصيدتي ؟ أنا مشيت الى آخر الديوان مشياً على قلبي و انت توقفت عند القافسة الاولى .. فصعب عليّ إيجاد عنوان لقصيدتي و بات انتظارك عمراً بعد عمري يصعب عليّ .