أنا عربيّ ………. أنا حزينٌ!
2017-05-04
واحة الشعر والخواطر
589 زيارة
الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي
/ الجزائر
أنا عربيّ ………. أنا حزينٌ
…………………………….
((( 1 )))
أنا عربيٌّ أنا عربي … دمي عربي … فؤادي عربي … شكلي عربي … لوني عربي … لساني عربي … كياني عربي … وجودي عربي … أمسي عربي … يومي عربي … غدي عربي … بدقات قلبي العربي شعرت بالجود والوجود فأحببت كلّ من هو موجود وما يحيط بهذا الموجود، وما تحفّظتُ إلا ممّا يتعدى قصدا على الإنسان أو يسيء إليه وإلى ما يحيط به من أشياء وماء وهواء ونبات وحيوان … بعينيّ العربيتين شاهدتُ ما خلق الله في ملكوته من جمال فأكبرْتُ، كما شاهدتُ ما أنتج عباد الله من منتوج مادّي ولامادّي فثمّنتُ، وما استثنيتُ من التثمين إلا ما يتعارض مع الفطرة السليمة والروح الرحيمة والسريرة الكريمة … بعقلي المصقول بعروبته الثقافية تواصلت مع الثقافات المغايرة والمعارف الكونية فوجدت دائما في جوهرها ما جعلني أنسجم معها انسجاما يتسع ويضيق أو أتعايش معها تعايشا يتسع ويضيق، وما تصادمت إلا مع الحقل الذي جعل مجاله فضاء صداميا بالإجبار لا بالاختيار… ورغم هذا التجلي الجليل للعروبة الجميلة التي أحملها في مختلف مكوناتي الوجودية إلا أن الحس المأساوي بات يطاردني ليل نهار، لحظة بلحظة بل ثانية بثانية. والسبب الذي أزعجني وأحرجني ودحرجني من قمة السعادة بعروبتي إلى قاع التعاسة بهذه العروبة هو إدراكي اليقيني أن الإنسان العربي لا يحب أخاه العربي، ولا يثمّن ما فيه وما عنده وما يبتغيه، ولا يؤمن بقدراته التعميرية المستقبلية، ولا يحترم حتّى حقه الأساسي في الحياة كبقية المخلوقات الموجودة في هذه الحياة … أنا حزينٌ أنا حزين.
((( 2 )))
أنا عربيٌّ أنا عربي … أحببْتُ بعمْق وصدْق الصفحات المبتهجة بالجمال والجلال في التاريخ البطولي لعروبتي الجميلة الجليلة … أحببت الأوائل الأشاوس الذين استأنسوا الإبل وسكنوا الصحراء فجعلوها أرضا للحياة بعد أن كانتْ أرضا للموت … أحببْتُ الفرسان الأبطال الذين جعلوا صهوات خيولهم ثغورا لحماية الحرية والسيادة والكرامة كما جعلوها سفنا تجوب عباب مشارق المعمورة ومغاربها حاملة رسالة التوحيد والسلم … أحببْت الذين تآخوا في الله – وفق ما قال اللهُ – مع الأحباش والفرس والأقباط والبربر والأكراد والكثير من أهل آسيا وإفريقيا وأوربّا بامتداداتهم في العالم الحديث، كما أحببت الذين تعايشوا بحكمة وحنكة مع أهل الكتاب وغير أهل الكتاب من مختلف الديانات واللغات والثقافات والحضارات، متفهّمين فطرة التعدد والاختلاف التي فطر الله عباده عليها، ملتزمين بحيثياتها طواعية واقتناعا، لا إكراها وتحايلا … وما نبذت وكرهت إلا حرب الإخوة النابعة من تفاهات الدنيا وأطماع المادة والتشبّع بهوى الاستبداد وروح الطغيان واستصغار الأخ وحسده، وذلك ابتداء من حرب عبْس وذبْيان من أجل سباق داحس والغبراء، وما يضاهيها مثل حرب بكْر وتغْلب من أجل ناقة البسوس، ثم الحروب المتعاقبة المتعددة لقريش بعد الإسلام من أجل كرسي السلطة، ثم ما حدث بعد ذلك في مشارق التواجد العربي ومغاربه من حروب أخوية وخطوب مأساوية جعلت الأندلس يسقط وبقية البلاد تُسْتَعْمَربشكل مباشر أو غير مباشر، كما جعلت اللون الأحمر القاني الدموي هو المؤطر الرئيس لكتابة تاريخنا المنكوب … وقد وصلت كراهيتي إلى مقت مطلق مع الحروب الراهنة للإخوة الأعداء في اليمن والعراق وسورية وليبيا وغيرها من الأصقاع العربية بصيغ متعددة ونتيجة واحدة هي إراقة دماء آبائنا وأمهاتنا، ودماء إخوتنا وأخواتنا، ودماء أبنائنا وبناتنا … إنها الطامة الكبرى، والزلزال الأعظم، والمأساة الإنسانية في أسوإ تمظهراتها وأخطرها … أنا حزينٌ أنا حزين.
((( 3 )))
أنا عربيٌّ أنا عربي … أحببْت عروبتي بمعناها النسَبي ومعناها اللساني ومعناها الحضاري ومعناها الديني ومعناها الإنساني. فالنسب جعلني فردا ينتمي إلى أسرة كبيرة تُسمّى العرب، واللسان جعلني أنتمي إلى أسرة أكبر تُسمّى الناطقين بالعربية في صورة من صورها المتعددة، والحضارة جعلتني أنتمي إلى أمّة شاركتْ بقوّة وفعّالية وجمال طيلة قرون وقرون في عمارة فضائها الأرضي بما يجمع بين الإفادة والإمتاع بإبداع نادرا ما يضاهيه إبداع واجتهاد قلّما تساوى معه اجتهاد، والدين جعلني أنتمي إلى أمّة تكبُر وتتوسّع باستمرار خارج النسب الواحد واللسان الواحد والحضارة الواحدة وهي مرتبطة مترابطة بحبل الله الذي فتح لها غيب السماء وزوّدها بما يضمن لها الرشاد مع النجاة وأوصلها بالكون كله بجميع مَنْ فيه وما فيه من كائنات لا يدرك جملتها إلا من أوجدها، والإنسانية بمعناها العربي جعلتني قلبا امتلأ بالحبّ الرحيم وعقلا تنوّر بالفكر الحكيم وذاتا تستعذب التعايش الحليم وروحا تحلم بانتقال الإنسان من الزمن اللئيم الأليم إلى الزمن الكريم العظيم … ضمن هذا الحب الكبير أحببْت الأوطان التي ينتمي إليها العرب وناسها بصورة عامة، وأحببت بصورة خاصة أجيال المقاومة الثورية الجهادية فيها من بطلات وأبطال ضحّوا بدمائهم الزكية بغية افتكاك الحرية من الاستعمار الهمجيّ الذي غزانا في ديارنا من أجل محو وجودنا والاستيلاء على هو موجود بين أيدينا، كما حدث – من باب التمثيل – في الجزائر وفلسطين … قدّم هذان البلدان ملاحم أسطورية سيخلدها التاريخ رغم أنف الأعداء والأصدقاء والأشقاء … ملايين الشهداء، وملايين السجناء، وملايين المنفيين، وملايين الأرامل، وملايين الأيتام، وملايين المقهورين … ولولا الخيانات وراء الخيانات وراء الخيانات لهُزم الاحتلال الاستيطاني الفرنسي البغيض وكان طرْده النهائي سنة 1830 ولهُزم الاحتلال الاستيطاني الصهيوني البغيض وكان طرْده النهائي سنة 1948 تزامنا مع تاريخي غزوهما للبلدين … وهكذا يخون الأخ أخاه ويتحالف مع عدوّه سرّا وجهرا من أجل استعباده أو إزالة وجوده مقابل بسمة صفراء أو وَهْم كرسيّ أو فتات مائدة أو لا شيء أحيانا، فقط هو داء البغضاء بين الأخ وأخيه وبين الجماعة وأختها وبين الجهة وأختها وبين البلد وأخيه كما حدث في ماضي الزمان البعيد والقريب، وهو يحدث في يوم الناس هذا، وسيحدث غدا إن استمر الوضع على حاله، في كل المساحات العربية، بنذالة ما بعدها نذالة وشراسة ما بعدها شراسة … أنا حزينٌ أنا حزين.
…………………………………………………
حرّر في سعيدة ، يوم الجمعة 14 / 04 / 2017
إمضاء : – الأستاذ الدكتور بومدين جلّالي / الجزائر