السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / وضع صحي مؤلم بواجهه اللاجئون

وضع صحي مؤلم بواجهه اللاجئون

كتب أنور الموسى في جريدة السفير:
أوضاع صحية مزرية تدمر مقومات حياة فلسطينيي المخيمات!
نضال للبقاء وتقصير من الأونروا…
(بواعث إعادة النشر… أن المأساة لم تنته…! وآخرها ما حدث مع الطفلة المظلومة التي رفضت الأونروا إسعافها…)

السفير – أنور الموسى
…يخوض منذ سنتين ونيف معركة بعنوان: <<نضال من أجل البقاء>> نبرات صوته مفعمة بالأنين. جسده أشبه ما يكون بهيكل عظمي ينهشه الألم. يتكئ على عكاز ينخره <<السوس>>. إنه اللاجئ الفلسطيني حسين صغير (54 عاما، مخيم البرج الشمالي)، الذي، على ما يبدو، تجاوز خط اليأس: <<بعدما عجزتُ عن تدبير طريقة ناجعة للانتحار>>، السبب؟! <<ظروف مأسوية جعلتني وطفليَّ بلا مأوى. يزيدها <<بلة>> شلل نصفي، وكسور في وركي الأيمن تتطلب عملية عاجلة ومكلفة تتجاوز 15 ألف دولار>>، والأونروا؟! <<ترفض معالجتي، على الرغم من انتمائي إلى فئة <<العسر الشديد>>، والجمعيات والأحزاب واللجان؟! <<تقذفني يمينا ويسارا>>!!
حسين الخمسيني، نموذج من عشرات، أو ربما مئات <<المعترين>> داخل المخيمات الذين <<لا صوت لهم>>، ولكن تقتحم حياتهم، وبقوة، <<لعنة القدر>>، معلنة <<الحصار الأخير واقتراب الأجل>>، ما يدفع إلى التساؤل: من المسؤول؟!، ولمَ لا تتحمل الأونروا مسؤولية العلاج الكامل، كونها الجهة المخولة دولياً بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟! ولمَ لا تعزز الهيئات الدولية مستشفيات جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي تعاني وموظفيها <<الأمرَّين>>؟!
المسؤوليات والتقصير!
…غسيل الكلى وزرعها، والتلاسيميا (نحو 80 حالة في برج الشمالي، وعين الحلوة)، والسرطان المنتشر، والقلب المفتوح لمن يتجاوز ال60 عاما، وتمييل القلب، وأمراض خطيرة أخرى…، علاجها فوري لدى الأونروا: <<التطنيش>>، والإهمال شبه الكامل>>، كما يؤكد رئيس اتحاد موظفي الأونروا لبنان (سابقا) د. محمد داود، لافتاً إلى أن الأخيرة <<تهتم أساساً بالطب الوقائي (برامج الطفولة والأمومة، التطعيم)، فيما تعد النواحي العلاجية ثانوية، ولا تخصص المبالغ الكافية لها (أدوية مكلفة لحالات مستعصية، عمليات، أجهزة طبية، مجالات الإعاقة والمسنين)، مذكراً بأن المنظمة تسد جزءاً يسيراً من كلفة العلاج، من دون تمييز ومحسوبيات! ومقراً بأنه أقل من المستوى المأمول.
ويسهب في الحديث عن تقصير فاضح تجاه اللاجئ، عماده: <<نفض الدولة اللبنانية يدها عن الموضوع، ومحدودية ميزانية الأونروا العلاجية، وغياب تحويلاتها إلى مستشفى الجامعة الأميركية وأوتيل ديو (العمليات)، وتقصيرها في حقل الصحة المدرسية، والعجز المالي للمنظمة، والأوضاع المزرية وعجز المريض عن تكملة كلفة الدواء والاستشفاء، وغياب مراكز المسنين ومرضى الأعصاب، وإهمال لاجئي 67، وسياسة تأجيل العمليات الباردة ومخاطرها، وقلة عدد الأسِرَّة التي تتعاقد معها الأونروا في المستشفيات الخاصة والهلال بالقياس إلى الحاجات المتزايدة والكثافة السكانية، ومعاناة الهلال.
الشجون السابقة تدفع عضو الاتحاد العام للأطباء والصيادلة الفلسطينيين د. عامر السماك، إلى وصف الوضع ب<<الخطير والحرج جدا>>: <<بسبب غياب النظام الصحي والسياسة الصحية الموحدة، وتغييبنا كطاقم طبي، عن الدورة الصحية للمجتمع اللبناني، وغياب التنسيق الكافي بين الجهات المعنية: <<الأونروا والهلال والمراكز التابعة لمنظمات غير حكومية…>>، مطالباً الأونروا، <<برغم إيجابية دورها في بعض النواحي!>>، ببناء مستشفيات خاصة بها تداركاً للتأخير، ومتابعة المريض <<فعلياً>> بعد العملية الجراحية، والتغطية الكاملة للعلاج والدواء، وتحسين نوعية الأدوية وكميتها في العيادات، وإخضاع الطبيب إلى تأهيل دائم، وإبعاد المحسوبيات عن التوظيف، وزيادة عدد الأطباء>>، متسائلا: <<أيعقل أن يعالج طبيب الأونروا <<وحده>> يومياً بين 80 و100 مريض؟!>> مؤكداً <<تدني نوعية العلاج المقدم للفلسطيني الذي تحوله الأونروا إلى المستشفيات الخاصة، واستحالة معالجة مرضى مطلوبين للدولة خارج المخيمات، ما يؤدي إلى وفاة بعضهم، وتأثير سياسة الإغلاق والتضييق على المخيمات في تيسير العلاج وتسريعه>>.
والواقع أن هناك تقاسماً وظيفياً ما بين الأونروا والهلال؛ الأولى تهتم بالجانب الطبي الوقائي والعيادات الخارجية، بينما تقدم مستشفيات الهلال الجانب العلاجي، حسبما يوضح رئيس الاتحاد السابق في لبنان، المدير الفني للهمشري د. قاسم صبح، ويتابع: <<المؤسف أن الأولى لم تفكر طيلة 50 سنة من علاج الفلسطينيين، ببناء مؤسسة مركزية تتراكم فيها الخبرات العلمية لمصلحة شعبنا. وفي المدة الأخيرة، تعاقدت مع مستشفيات الهلال، وبقيت على تعاقدها مع مستشفيات جامعية (غسان حمود، الساحل…)>>، لتغطية بعض جوانب العجز في الهلال؛ إلا أن خدماتها ليست كافية إطلاقا؛ فمثلا، تحدد أيام العلاج بفترة زمنية محددة قد لا تكون كافية، عدا أن تغطيتها جزئية، ما يضطر المريض إلى اللجوء إلى الجمعيات وغيرها، أو التراجع عن فكرة العلاج>>! منتقداً موظفي الأونروا القيمين على الوضع الصحي الذين يقدمون انتماءهم للأونروا على حساب هموم شعبهم وقضاياه، بهدف التوفير، ما يسمح لبعص المستشفيات باستفزاز المريض ماديا>>، مطالباً الأونروا <<بتبني أطباء الهلال ومستشفياته كخطوة أولى لمواجه التدهور الحاصل>>.
بيئة موبوءة!
<<الوضع البيئي والاجتماعي غير السليم في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، ينذر بكوارث صحية خطيرة قد تطال المحيط>>! خلاصة يجمع عليها الأطباء. د. صبح يرى أن الاكتظاظ السكاني يولد حتماً أمراضاً معدية، يعززها: <<بناء عمودي على مساحة ضيقة، منع البناء، قلة التهوئة وحجب أشعة الشمس، كثرة الأزقة، اقتراب المجاري من قساطل مياه الشفة، ما يؤدي إلى أمراض الإسهال، والجهاز التنفسي>>. المواقف السابقة يذكرها أيضا السماك الذي يحذر من خطورة الأمراض النفسية والعصبية أيضا التي تهملها الأونروا، والناتجة عن الحصار، الحرب النفسية الإعلامية، والبطالة والضغوط السياسية والأمنية، فضلا عن الضوضاء، وانتشار القمامة أحياناً قرب مساكن مأهولة ومدارس، وفوضى البنى التحتية، وأسلاك الكهرباء. أما داود، فإنه يطالب المعنيين اللبنانيين، بالاهتمام بالنواحي الإنسانية بدل التركيز على الجوانب الأمنية: <<ماذا تنتظر من لاجئ مرهق الأعصاب ولا يذوق طعم الرفاهية والاستقرار؟!>> مردفاً: <<المؤلم أن هناك منازل تقطنها أسر مؤلفة من (126 فرداً) مهددة بالسقوط، وتدخلها مياه الشتاء، وقد تسكن أسرة كاملة في غرفة واحدة موبوءة>>!، مطالباً الأونروا ببناء وحدات سكنية جديدة <<رأفة بالإنسانية على الأقل!>>.
الهلال… وتراكم الأزمات
<<إمكانيات قليلة.. ومسؤوليات جسيمة، ومعونات طفيفة>>، بهذه العبارات يختصر مدير الخدمات الطبية في جمعية الهلال د. صلاح الأحمد مشكلات الهلال؛ (الجمعية الوطنية الإنسانية التطوعية، التي تأسست في أواخر 1968، بتفويض من المنظمة من خلال المجلس الوطني الفلسطيني، بهدف تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتراثية والإنسانية للشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات، وهي جزء من الحركة الدولية للهلال والصليب الأحمر الدولي، وتلتزم بمبادئهما الإنسانية السبعة كعدم التحيز والاستقلالية، وتوفر خدمات الإسعاف والخدمات الصحية الأولية والعلاجية العامة والجراحة المتخصصة لفلسطينيين ولبنانيين وغيرهم).
وللجمعية مراكز صحية في مختلف مناطق وجود الشعب الفلسطيني في المخيمات، وتعتمد أساساً على الموارد الذاتية (رسوم العلاج، ومعرض تراثي قرب مستشفى عكا)، والدعم المقدم من م.ت.ف، وجمعيات ومنظمات دولية وعربية. <<حتى أصبح لدينا خمسة مستشفيات (الناصرة، صفد، حيفا، الهمشري، بلسم) و<<الجليل>> بسعة تزيد عن 200 سرير، وتسع مراكز صحية منتشرة، والإدارة المركزية في مستشفى عكا، يقول الأحمد، ويضيف: <<لكننا نواجه عقبات جمة؛ أبرزها: قلة الموارد المالية، تدني كبير في رواتب الكادر (نحو300 دولار شهريا للطبيب، و200 للممرض، و125 للعاملة)، غياب الحوافز، التأثر بميزانية المنظمة التي تعاني أيضا، اعتمادنا على الدعم الخارجي بنسب كبيرة لخفض تكلفة العلاج، وبرغم أن التعاقد مع الأونروا قد تمَّ على عدد قليل من الأسِرَّة (79)، فإن هذا التعاقد لا يلبي طموحات الجمعية، حيث ان التكلفة العلاجية للمرضى المحولين لا توازي ما تغطيه مادياً، تعاملنا مع مرضى لا يستطيعون دفع المعاينة الرمزية وثمن الدواء المرتفع>>. الآراء السابقة، تؤيدها مديرة دائرة المشاريع في الهلال (لبنان) إلهام يعقوب التي تؤكد <<أننا نعاني أيضا من غياب الموارد المخصصة لصيانة الأجهزة والمباني، وقلة الممولين وتقييد المساعدات بنواح معينة لا تغطي حاجات ملحة، وعدم قدرتنا على استيعاب تخصصات وكفاءات عالية لتقديم خدمات نوعية، وهجرة الكادر الطبي الكفء بسبب الحرمان وتدني المخصصات، ومنعه من ممارسة حقه النقابي>>، لافتة إلى أن هناك مشروعاً جديداً يجري تطبيقه حاليا؛ من شأنه جعل الهلال أكثر شفافية..(ولكنه ليس كافياً).
مشروع Echo
Echo هو قسم المساعدات الإنسانية للاتحاد الأوروبي (للحالات الطارئة). وهو يدعم الهلال، كما يؤكد منسق المشروع جان ويليام ويجدام منذ نحو 10 سنوات (أدوية <<50 في المئة>>، مشاريع تنفيذية)، فضلا عن مساعدته شعوباً فقيرة عديدة حول العالم.
ويشدد منسقا المشروع الأحمد وويجدام على أن العنوان الرئيس للمشروع هو تقديم الدعم للهلال في لبنان في مجال الرعاية الصحية الثانوية، وهو جزء من برنامج متعدد السنوات تبلغ كلفته (مليون يورو)! وبدأت مرحلته الأولى في ت 1 2004، وتنتهي في بداية ت 1 المقبل… والهدف تحسين دوافع فريق العمل لدى العاملين في الجمعية (تقديم حوافز غير مالية للموظفين كالمريول)، وتحسين جو العمل في المستشفيات، تفعيل قسم شؤون الموظفين على المستوى المركزي (هذا القسم سيعمل كصلة وصل بين الإدارة والموظفين، كما يهدف إلى إنشاء علاقات إيجابية لرفع مستوى الرضى في العمل، والتأكد من حاجات المرضى)، تحسين صورة المستشفيات الخمسة (غرف المرضى، وخفض التكلفة من خلال شراء الأدوية بكميات كبيرة( 375 ألف يورو)، وزيادة مدخول الجمعية عن طريق تحليل تفصيلي للكلفة الحالية ومدخول المستشفيات، وكذلك سيتم وضع نظام معلوماتية إدارية (MIS) (200 ألف يورو) بهدف ضبط تكلفة العلاج… فضلا عن إدخال الكومبيوتر (30 جهازا) وبرامج تدريب.
ويرى ويجدام أن العراقيل التي <<نواجهها في المشروع، هي نفسها تلك التي يعانيها اللاجئون (غياب الحقوق المدنية للفلسطيني التي تحطم طموح الكادر)، لافتا إلى عقبات جمة تعانيها الجمعية؛ خصوصا اعتمادها على الممولين الخارجيين؛ فالتمويل قد يبقى لسنوات، ولا يستمر لعقود… كما أن المرضى ينتمون إلى لاجئين نحو 90 في المئة منهم تحت خط الفقر. مشيداً بنظام (MIS) الذي يخول الجمعية لاحقاً مفاوضة الأونروا وغيرها حول التكلفة الحقيقية للعلاج. فيما يؤكد الأحمد أن <<نسبة كبيرة تتراوح بين 30 و35 بالمئة من المبلغ الذي يقدمه هذا المشروع وغيره، يخصص للموظفين، خصوصا الأجانب>>!!
والمفارقة الغريبة، أن الأونروا تدفع للهلال 120 ألف ليرة ثمناً لليلة السريرية (عناية فائقة و…)، ونحو 300 الف للمستشفيات الخاصة، في حين تتجاوز التكلفة الفعلية (لليلة) في الأخيرة المليون ليرة… ويبقى أمر التدبير على المريض…!!