قراءة في كتاب د. خريستو نجم
إعداد د. أنور الموسى
الكتاب: رمزية الحذاء والقدم في الادب والفن
تأليف: د. خريستو نجم
الناشر: الدار العربية للموسوعات
بيروت 2008
الصفحات : 216صفحة
القطع: المتوسط.
د.خريستو نجم كاتب وشاعر من لبنان، عمل في التعليم الجامعي… أستاذ التحليل النفسي والأدب في الجامعة اللبنانية. من مؤلفاته: (جميل بثينة والحب العذري النرجسية في أدب نزار قباني رهاب المرأة في أدب إلياس أبي شبكة) دواوينه قصائد حب «من أغاني شهريار« الطريق إلى جبل التوباد بكائية على جدار مديني»….. وأشرف على عدة رسائل وأطروحات جامعية، وكان قارئا لأطروحة د. أنور الموسى في التحليل النفسي للأدب…
منهجه
د. نجم من المتحمسين للمنهج التحليلي النفسي في دراسة الأدب.. وطبقه في كتبه على نزار وجبران وغيرهما.
ثغرات الكتاب
…حبذا لو أضاف المؤلف إلى عنوانه.. الإعلام… لكان قد تطرق إلى رمي الرؤساء كجورج بوش بالأحذية.. ولذلك بواعث نفسية جمة…
العنوان
“رمزية القدم والحذاء في الأدب والفن”، كتاب للدكتور “خريستو نجم”…يحمل عنوانا لافتا يثير المتلقي الذي قد يندهش ويطرح تساؤلات جمة…
الحذاء مصدر اهتمام الإنسان
وليس ثمة شك في اهتمام الإنسان بالحذاء على مدى تاريخه الطويل، من ناحية تطويره، واختراع أنواع كثيرة مختلفة يصعب حصرها، فكل شعوب الدنيا منذ بداية الخليقة إلى اليوم تتفنن في صنع أحذيتها…
والحذاء في الموروث الشعبي مكانة كبيرة منذ حذاء سندريلا التي جعلها تفوز بالأمير زوجًا لها …
ويرى الدكتور “خريستو نجم” في كتابه أن الأبعاد النفسية للقدم والحذاء في علاقتهما المتعددة والمتنوعة، تختلف باختلاف الأنماط النفسية التي يتصف بها كل من الذكر والأنثى: السادية المازوشية.
ومن خلال منهجه التحليلي النفسي، يرى الباحث “خريستو نجم” أنّ ثمة ثنائية جدلية تنقل قدم الأنثى بين حقلي المقدس والمدنّس، فأقدام تماثيل الآلهات في الأساطير اليونانية والرومانية وعند الألمان في ما بعد كانت مغطّاة حفاظاً على طهارتهنّ. كما انتقدت محاكم التفتيش الفنان موريّو لأنَّه صوّر العذراء في لوحات تظهر قدميها. كما كانت بعض اللوحات الفنية في أسبانيا تعرض نساء عاريات ألبست أقدامهنّ جوارب وأحذية. في حين نشهد في أوبرا “لفاغنر” أن تقبيل القدم يرمز إلى المقدس والمدنّس في الوقت نفسه. ويخلص الكاتب إلى أن القدم ليست واحدة في كلّ مسعى، من خلال شواهد مستفيضة من قصائد جميل بثينة، وأحمد شوقي، و نزار قباني، وإلياس أبي شبكة.
يفصّل الكاتب في العلاقة بين القدم والحذاء، كون الحذاء مكانا لسجن القدم، فرضته الحضارة الراهنة، ولكنه من جهة أخرى مثير للرغبة، وأداة للسلطة القاهرة، ويذكر الكاتب بمشية جنود هتلر المسمّاة خطوة الإوز التي تحدثها جزماتهم المرصّعة بالمسامير، فتنشر الرعب في أرجاء البلاد، مستشهدًا بقول الجنرال باتون: إنّ جنديًا يرتدي حذاءً هو مجرد جندي، ولكنه مع جزمة الماشو فهو محارب. وهو غطاء للحقيقة أيضًا لأن صانعي الأحذية قلّما هندسوا بضاعتهم على قياس الأقدام.
ولهذا يختار الناس ما يرضي مزاجهم لا ما يناسب أقدامهم، ولكن الحذاء لا يكشف عن حقيقة الطبع إلا بالتحليل النفسي الدقيق. وهو أيضًا رمز للمسير والسفر والترحال التي ترمز جميعها إلى الموت، وهذا يفسّر بعض التقاليد الغربية التي تقضي بعرض حذاء الميت بجانب سريره كونه في وضعية الغياب الأبدي.
الباشا والحذاء
من خلال تفكيك دلالة “باشا” ذات الأصل الفارسي، با: حذاء، شاه: ملك، يوضح الكاتب علاقة جديدة بين القدم والحذاء، علاقة صعود دنيء بتعالٍ متجبر، فالباشا لقب يناله العظماء بعد أن تتقدم إحدى الجواري وترفع القدم الشاهانية وتلفّها على رأس الزائر العظيم، وبعد دقيقة أو نصف دقيقة، تعود الجارية وترفع قدم السلطان عن رأس الزائر العظيم. ويعزو الكاتب إلى ذلك نعت مجالس “الباشاوات” في بعض مراحل التاريخ العثماني بمجلس “الأقدام” أو مجلس “الأرجل”.
ويشير د.”خريستو نجم” إلى أنّ وضعية الإنسان العمودية خلافًا للحيوانات هي وضعية فريدة، ما جعل للقدم فضلاً في مضاعفة حجم الدماغ، وفي غنى الحياة الجنسية أيضًا، لأنّ الوقوف على قدمين قلّل من شأن الإثارة الشمّية وعوّض عنها بأهمية النظر إلى الآخر، حيث لم تعد الإثارة خاضعة لزمن محدّد.
فالقدمانيّة (المشي على قدمين) صفة تفرد بها الإنسان عن بقية مخلوقات الله، وهي أصل الرشاقة، وكل مشية تعبّر عن شخصية صاحبها، وقد عرفت البشرية أنواعًا من الخُطا التي تنمّ عن الجمال والاعتزاز والفرح عبّر عنه مؤلفو الموسيقا “فاغنر شوبان” تعبيرًا دقيقًا، وكذلك الشعراء. ومن قبيل هذا التطور ارتبطت المدينة والحضارة بوقع خُطا الإنسان.
وفي المدينة تعرف الشوارع من وقع الخُطا، ويغدو له معنى صوره الشعراء، فهو زاهٍ مريح للسامع، وقاتم مؤلم، وأليف..
حكايا الحداء
وتحت عنوان حرب الأحذية والأرجل يورد الدكتور “خريستو نجم” حكايات عن الحذاء فيقول :
إن لقب “باشا” يتألف من كلمتين:
(با) وتعني بالفارسية أو التركية الحذاء أو الجزمة، و(شاه) تعني الملك، وقد حذفت الهاء تخفيفًا، وذكر بعض المؤرخين ذلك بقولهم: كانت إحدى الجواري تتقدم وترفع القدم الشاهانية وتلفّها على رأس الزائر العظيم، وبعد دقيقة أو نصف الدقيقة، تعود الجارية وترفع قدم السلطان عن رأس الزائر وتعيدها إلى حيث كانت على الأرض، وكان هذا تبليغًا للزائر بأن المقابلة قد انتهت. وكل من حظي بهذه النعمة يصبح “باشا”، أي قدم السلطان.
ومن المؤسف أنه أتلف حذاء الزيدي لأنه بالتأكيد كان قادرًا على تخريج آلاف “الباشوات”، بحيث يستحق لقب “باشا” الأحذية.
ويختلف الدكتور “خريستو نجم” مع التيار الإعلامي السائد في تعظيم هذا الحذاء الذكوري ويكشف أن الحذاء الأنثوي كان هو الذي يؤدي دور البطولة على مسرح التاريخ. يقول: منذ ٢٥٠٠ سنة، أي في زمن كونفوشيوس كان الصينيون يعشقون القدم المقمطة، وقدم اللوتس التي تثير الغرائز بمشيتها الطرية كطراوة الأعشاب، حتى إن العفة انحصرت يومئذ عند بنات الصين في أقدامهن الملجومة، فحماية أقدامهن الصغيرة من أعين الرجال تعكس طهارة المرأة الصينية، وذلك أن العفاف قضية أعراف وتقاليد.
وبعد هذا التفسير للحذاء الصيني الشهير ينتقل إلى حكاية الملكة الإسبانية “إيزابيلا” التي سقطت يومًا عن حصانها خلال احتفال رسمي، وصادف أن علقت رجلها بسرج الحصان الذي راح يركض مذعورًا، والملكة تجرُّ على الأرض أمام العسكريين والجماهير. والغريب أن أحدًا لم يجرؤ على الإسراع لإنقاذها، فمساعدتها تقتضي لمس قدمها وهذا يعدّ تجديفًا كبيرًا بنظرهم، إلى أن تحرك أخيرًا ضابط شاب أذهله الموقف، فركض وأوقف الحصان وأنقذ الملكة، وكانت مكافأته السجن في أحد الأديرة، تكفيرًا عن فعلته في انتظار الغفران الملكي.
وكتاب الدكتور “خريستو نجم” صدر قبل موقعة الحذاء في العراق، حيث أعلن الرئيس بوش أن مقاسه كان ١٠ أي ٤٤، بينما المؤلف “خريستو نجم” يتوقف عند الرقم ٩ ويعده الأكبر حجمًا فيما كانت الأحذية أوائل القرن العشرين تحمل الرقم ٧، وحين عرفت الممثلة “جريتا جاربو” في الثلاثينيات من القرن الماضي بقدمها ذات القياس ٩ أحدثت ضجة في الأوساط الفنية، لأن قاعدة الجمال يوم ذاك كانت تحصر القدم في الرقم ٥ قياسًا على جينا لولو بريجيدا، ودوقة وندسور، وإيفا بيرون، وربما تقلص الحجم إلى ٤.٥ مع جنيفر جونز، وبتي دايفس.
وهذه الأحجام تشبه اليوم أقدام الفتيات الصغيرات في عامهن الثامن أو التاسع، ولا ننكر أيضًا أن الأقدام في أيامنا ازدادت حجمًا في كل أنحاء العالم، والدليل أن صبيًا في الرابعة عشرة من عمره ينتعل اليوم حذاء قياسه أكبر بدرجتين من حذاء أبيه عندما كان في مثل سنه، وبثلاث درجات أكثر من مقاس جدّه.
وينتهي الدكتور “خريستو نجم” إلى نتيجة ربما يتفق كثيرون معه فيها، وهي أن الحذاء يتعب صاحبه، فمنذ القديم والمرأة تسعى وراء الحذاء الأجمل، غير مهتمة بمدى ارتياحها أو انزعاجها. لذلك وصفت قدم “اليزابيث تايلور” دائمًا بالمتورمة، فالحذاء الذي انتعله الإنسان منذ بدء التاريخ لم يكن مريحًا للقدم، وآية ذلك أن القدم اليمنى والقدم اليسرى كانتا سواء في الشكل عند الأمريكيين، ولم يميز هؤلاء بين الاثنتين إلا بعد الحرب الأهلية، والقدمان غالبًا ما اختلفتا حجمًا، ولكن الأحذية لا تراعي هذا الاختلاف.
يذهب الكاتب في النهاية إلى أن القدم تتجاوز اليد في قدرتها على التعبير، من خلال تمثله بأعمال فنية لأنجلو، ورينوار، وإنجر، وغيرهم ممن ملأوا لوحاتهم برسوم الأقدام الموحية.
ويشير د. نجم إلى أنّ وضعية الإنسان العمودية خلافاً للحيوانات هي وضعية فريدة، ما جعل للقدم فضلاً في مضاعفة حجم الدماغ، وفي غنى الحياة الجنسية أيضاً، ذلك أنّ الوقوف على قدمين قلّل من شأن الإثارة الشمّية وعوّض عنها بأهمية النظر إلى الآخر، حيث لم تعد الإثارة خاضعة لزمن محدّد.
فالقدمانيّة «المشي على قدمين» صفة تفرد بها الإنسان عن بقية مخلوقات الله، وهي أصل الرشاقة، وكل مشية تعبّر عن شخصية صاحبها، وقد عرفت البشرية أنواعاً من الخطا التي تنمّ عن الجمال والاعتزاز والفرح عبّر عنه مؤلفو الموسيقا : فاغنر شوبان تعبيراً دقيقاً، وكذلك الشعراء. ومن قبيل هذا التطور ارتبطت المدينة والحضارة بوقع خطا الإنسان.
وفي المدينة تعرف الشوارع من وقع الخطا، ويغدو له معنى صورة الشعراء، فهو زاهٍ مريح للسامع، وقاتم مؤلم، وأليف. يذهب الكاتب في النهاية إلى أن القدم تتجاوز اليد في قدرتها على التعبير، من خلال تمثله بأعمال فنية لأنجلو ورينوار وإنغر وغيرهم ممن ملأوا لوحاتهم برسوم الأقدام الموحية..
المراجع:
الكتاب نفسه…رمزية القدم والحذاء…
موقع البيان، مقال لعيسى الشيخ حسن، في 23-نوفمبر-2008
-موقع الإسلام اليوم…
-مؤلفات د. نجم المذكورة سابقا…