فقد الكثير من الإنتاج الشعري العاملي
2017-02-09
ابحاث ودراسات عليا, مقالات
891 زيارة
بقلم د.أحمد نزال
فقْدُ الكثير من الإنتاج الشعريّ العامليّ: نارٌ آنَ لها أنْ تنطفئ!
تناثر الكثير من الإنتاج الشعري العاملي، على مدى قرون من الزمن، في كتب التراجم، وبقي بعضه في مخطوطاتٍ وضعها مؤلفوها ورحلوا، ولم تخرج إلى القرّاء والدّارسين، وفُقِدَ القسم الكبير منه…
ولعلَّ عدم اهتمام المؤلّفين أنفسهم بجمع نتاجهم الشعري في حياتهم من الأسباب التي أدَّتْ إلى هذا الفقْد، أو عدم الاستقرار في أرض جبل عامل، أو الهجرة طلبًا للرزق أو العلم… ما أدَّى إلى وقوع المخطوطات تحت أيدي مَنْ لا يقدِّر قيمتها.
وللدَّلالة على انتشار هذه الظاهرة، نورد مثالاً هو الشاعر محمد بن الحسن (الحر العاملي)، الذي عاش في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي، صاحب المؤلفات الكثيرة، والتصانيف العلمية والأدبية، منها كتابه: “أمل الآمل في علماء جبل عامل”، الذي حَظِيَ بشهرةٍ كبيرةٍ حتى زماننا هذا.
وبالحديث عن شعر الحر العاملي، يقول في ترجمة عمِّه محمد بن علي الحر العاملي: “وقد كنْتُ مدحْتُهُ بقصيدةٍ، ورثيْتُهُ بأخرى ذهبا في ما ذهب من شعري”. ويقول في ترجمة شيخه زين الدين حفيد الشيخ حسن بن الشهيد الثاني: “وقد رثيْتُهُ بقصيدة طويلة بليغة، قضاءً لبعض حقوقه، لكنَّها ذهبَتْ في بلادنا مع ما ذهب من شعري، ولم يبقَ في خاطري إلا هذا البيت:
وبالرّغمِ قولي قدَّسَ الله روحَهُ وَقَدْ كُنْتُ أدعو أنْ يطولَ لَهُ البَقَا
ثم يتابع الحر فيقول: “ومدحْتُهُ أنا بقصيدة لم يحضرْني منها شيء”.
ينصُّ الشاعر نصًّا صريحًا على أنَّ ما ذهب من شعره، إنَّما ذهب في جبل عامل، لا في إيران؛ مكان هجرته. ويقول في ترجمته لنفسه سنة 1073هـ، متحدِّثًا بصيغة الغائب في الترجمة كلِّها: “وله ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيتٍ أكثره في مدح النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، وفيه منظومة في المواريث، ومنظومة في الزكاة، ومنظومة في الهندسة، ومنظومة في تاريخ النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام”.
يقول محقق كتاب “أمل الآمل” أحمد الحسيني في مقدمة التحقيق، وهو يتحدّث عن مؤلّفات الحر العاملي؛ وهي كثيرة: “ديوان الحر العاملي وهو يقارب عشرين ألف بيت في مدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام، ومنه نسخة نفيسة في مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف الأشرف، ولكن فيها خروم ونواقص، وقد تبلغ أبيات هذه النسخة عشرة آلاف بيت تقريبًا”.
إذًا، فُقِدَ كثيرٌ من شعر الحر العاملي، ولم يبقَ من ديوانه سوى عشرة آلاف، والسؤال الذي يُطرح في هذا المقام: أين العشرة آلاف الأخرى؟ وأين ما نظمه بعد سنة 1073هـ (تاريخ وضع الكتاب)؟ وهو المتوفى سنة 1104هـ.
نخلص إلى القول: إنَّ فقد الشعر ظاهرة في الشعر العاملي، ناتجة عن عدم الاستقرار والهجرة والتلف وإحراق المكتبات… لا تقتصر على الحر العاملي، بل تتعدّاه لتشمل معظم الشعراء العامليين الذين لم يعنوا، في غالب الأحيان، بجمع شعرهم بأنفسهم، لانشغالهم بأمور أخرى.
إنَّ الأمثلة كثيرة لا تحصى، لا مجال لذكرها. ومع ذلك كله، ما وصلنا من الشعر يفيد بأهميته وفرادة التجربة التي صدر عنها.
وفي مقاربة زمنية نجد أنَّ هذه الظاهرة رافقت العامليين ونتاجهم على مدى قرون من الزمن، بدءًا من القرن الهجري الأول، حتىى الاستقرار الذي شهده الجنوب اللبناني في الآونة الأخيرة، حيث وضع العامليون آلاف المخطوطات النفيسة في ميادين العلم جميعًا. ومؤخرًا، بدا الاهتمام ملحوظًا بهذا النتاج الشعري، سواء من حيث الدراسات الأكاديمية التي أماطت اللثام عن كثير من الشعراء العامليين “المغمورين”، أم من خلال إحياء تراثهم في الكثير من الندوات والأمسيات الشعرية في مدن جبل عامل وقراه.
بقي أن نشير إلى أهمية هذا النتاج والتجربة التي صدر عنها، فهل تشهد السنوات المقبلة مزيدًا من الدراسات التي تطفئ هذه النار، وتضيء على هذا النتاج؟!