ذاكرة الجسد رواية نسائية جزائرية مثيرة للجدل
2017-01-18
غير مصنف
560 زيارة
بقلم الأستاذ جمال حجازي
أثارت رواية ذاكره الجسد الكثير من الجدل فور نشرها العام الفين، ويعود هذا الجدل إلى هوية كاتب الرواية، والتشكيك بهوية الكاتبة والمكتوبة على غلاف الرواية… فتارة تنسب الرواية الى الشاعر السوري نزار قباني وتارة اخرى تنسب الى الشاعر العراقي سعدى يوسف… وعلى الرغم من هذا التأرجح بهويه الكاتب استطاعت احلام مستغانمي ايجاد ارضية صلبة لروايتها بين الروايات العربية الأخرى..أثارت رواية ذاكره الجسد الكثير من الجدل فور نشرها العام الفين، ويعود هذا الجدل إلى هوية كاتب الرواية، والتشكيك بهويه الكاتبة والمكتوبة على غلاف الرواية.. وإثبات جدارتها بوصفها روائية موهوبة، حيث تعد الرواية من أشهر الروايات العربية المعاصرة التي تسلط الضوء على الواقع الجزائري ابتداء من الثورة الجزائرية وبعد الاستقلال.
وقد تميزت الرواية بعدة ميزات، اهمها:أن الرواية تعد أول الروايات الجزائرية والنسائية التي حرصت الكاتبة على كتابتها باللغة العربية الفصحى، الى جانب تعبيرها عن الهوية العربية لتجتاز العقدة الجزائرية من اللغة العربية، وتسليط الضوء على الارث البطولي لبلد سمي ببلد المليون شهيد، وآخرها تعبيرها عن انفعالات وطموحات بطل الرواية خالد في حرب تحرير الجزائر حيث تدور حوله القصة…فاستطاعت الكاتبة على الرغم من كونها امراْه التعبير عن شخصيه الرجل العربي بسماته الشخصية بدقه متناهية.
وتروي القصة أحداث حرب التحرير وبعد التحرير من خلال تسليط الضوء على بطل الرواية خالد الذي يفقد ذراعه اليسرى في اثناء مواجهته مع الاحتلال الفرنسي، ليكرم بعد مدة وجيزة بإعطائه منصب ادارة احدى دور النشر في الجزائر، ليصبح بعدها شرطيا يتجسس ما بين الاسطر… حتى يلتقي بزياد خليل الشاعر الفلسطيني الذي يقلب حياة خالد رأسا على عقب، خاصة بعد موقف زياد الرافض لحذف بعض الابيات الشعرية من قصائده التي تنال من بعض الحكومات العربية…. ويصبح بعد هذا الموقف صديقا حميما لخالد ليترك بعدها دور النشر وينتقل الى فرنسا بعد احترافه الرسم وزجه بالسجن في الجزائر بتهمه الخيانة، ليعود بعدها الى احضان محتله بالأمس… ليتعرف هناك على بطله الرواية احلام ابنة صديقه المناضل سي طاهر الذي تولى مسؤوليه تسجيلها بهذا الاسم الذي اوصاه به سي طاهر قبيل وفاته في العركة الاخيرة…حيث ظل خالد يلهج لسانه بالاسم، فيخال من يسمعه انها اخر عمليه كلف بها .
تكبر هذه الفتاه ويتعرف عليها فيقع في غرامها منذ أول زيارة لها لمعرضه وهي الطالبة والكاتبة التي قدمت الى فرنسا لإكمال دراستها تكريما لأبيها الشهيد سي طاهر .
يقع خالد في دائرة الشك بعد تعرف احلام على زياد ويشك في حبها له… لإبداء اعجابها الدائم بزياد وتقربها منه.
بناء الرواية….
يسلط بطل القصة خالد الضوء من خلال قصته بصوره بانوراميه على ماضي ومآثر وحاضر الجزائر في فتره الثمانينيات، بصورة نقدية للأوضاع بعد تحريرها من انتشار النزعة الاستهلاكية الى ابتعاد الحكومة عن روح مبادئ الثورة الى الاضمحلال الفكري والثقافي للشعب الجزائري ليصبح النقد فضفاضا يتسع لنقد سياسات الجرائد الى محدودية دخل الموظفين الحكوميين… الذي يتجسد في شخصية اخي خالد احسان الذي تشكو زوجته معتوقة في احدى الاتصالات مع خالد من تهالك اثاث المنزل وكثره الاطفال وهو المدرس ذو الدخل المحدود الذي يفي راتبه الشهري بسد رمق اطفاله… وكذا تسليط الضوء على الحركة الاسلامية المتنامية التي يجسدها ناصر شقيق احلام التي خذلته الحكومة بمنحه متجرا لبدء حياته التجاريه اعترافا بمناقب والده الذي ينتهي به المطاف باعتزاله الناس واعتكافه في المسجد .
الرواية تعبر بشكل عام عن انحسار نفوذ اليساريين الذين شاركوا في حرب التحرير وهذا ما عبرت عنه الكاتبة بفقدان خالد لذراعه اليسرى وبروز الطبقة البرجوازية التي تتحكم بمقاليد الحكم وظهور التيار الاسلامي بأسلوب مركب من المذكرات الشخصية… خاصة اذا علمنا ان احلام مستغانمي ابنه احد شهداء التحرير…وبين المقال النقدي والسرد البانورامي بلغة تعبيرية دقيقة وقوي… هو غزيرة وأحكام بمقاليد السرد بطريقه دائرية كابتداء احداث القصة بخالد وهو يحاول ان يكتب في منزل شقيقه احسان المتوفي وانتهاء القصة به من خلال توظيف الفلاش باك وتوظيف ( المونولوج) الحديث الداخلي ليضفي عمقا لشخصيه بطل الرواية.
المرأة الرمز: استعانت القاصة في بروايتها بشخصيه امرأتين بارزتين من خلال سياق القصة للرمز للوطن من خلال شخصية أحلام الفتاه الجزائرية الفاتنة، وتمثيلها للوطن الجزائر في عدة مواطن من خلال علاقة خالد بأحلام وتعلقه بها.. من خلال تعبيره للحنين للوطن وخوفه من سقوطه بأيدي آخرين لتسقط أخيرا عروسا لأحد التجار الفاسدين، لتبين القاصة سقوط الجزائر في ايدي الفاسدين .اما ثاني هاتين المرأتين علاقته بكاترين وبداية تعرفه عليها عندما لم يستطع رسم جسدها وهو الرجل الشرقي ليقدم لها اعتذارا برسم وجهها وعرضه في معرضه والخوض بعلاقة حميميه معها لترمز القاصة علاقته بكاترين التي تنحسر بعد حبه لأحلام ليبرر ذلك انه عاجز عن حب كاترين المرأة التي تعتمد على الطعام الجاهز وذلك رمز العلاقة خالد بفرنسا المضطربة وان كانت فرنسا منفى اختياريا له.
نهاية الرواية :
تنتهي القصة عندما تتشابك العلاقات بين حياة وخالد وزياد ليدخل دائرة الشك فيقرر زياد العودة الى لبنان ومواصلة نضاله هناك، فينتهي به المطاف باستشهاده فيأخذ خالد مسوداته التي تركها لديه ويعيد ترتيبها وبقوم بنشرها تخليدا لذكراه وتتزوج احلام من تاجر جزائري فاسد ليعيش خالد على بقايا حب تساقط مثل حبات الرمل من بين يديه وذكرى صديقة زياد الذي قدم نفسه فداء للوطن .
تعد القصة من اجمل الروايات التي عبرت عن الآمال العريضة للشعوب العربية، من خلال تركيزها على قصة حرب التحرير والحقبة التي بعدها، لتصبح هذه القصة ذاكرة اجساد افت انفسها فداء للوطن، بل انها ذاكرة اوطان ما زالت الى يومنا مثخنة بجراح الاحتلال والخيانة.
فالرواية تستحق اعادة النظر في قراءتها والكتابة عنها والتمحيص في الصور التعبيرية التي ابدعت القاصة بتصوير احداثها…