بقلم ربيع عرندس
كانتا مرآتين
ذكريات تكسوها النسمات ، ولحظات لا تخلو من اللذة النفسية والرؤية البريئة للحياة ، ولكن من أين أروي تفاصيل حكايتي ؟ هل أبدأ من زمن الطفولة التي تبعد مسافة زمن لا بأس به عن حياتي الحاضرة ؟ ربما يكون ذلك أسهل من البدء بالحديث عن اللحظات التي أعيشها الآن .
في زمن البراءة القصيرة ،ذ التي عايشت فيها أحداثاً كثيرة ، كانت لدي مرآتان جميلتان تريانني العالم من حولي كما يجب أن يراه غيري من الناس ، وكان كل شيء طبيعياً . كنت أمضي حياتي كبقية الأطفال الذين لعبت معهم دون تمييز أو خجل أو إحراج . لم أكن أعي أن لدي مشكلة خاصة ، بل لم أكن أعي حتى ما المشكلة التي كنت أعاني منها بالضبط ، وقتئذ كنت طفلاً صغيراً جداً ، لم أكن أستطيع فهم ما يجري ، حتى إن والديّ كانا حريصين على ألا أتأثر بما يحدث كي لا تصيبني صدمة أو هكذا ظننت حينها ، كانا دائماُ يحاولان إبقائي مطمئناُ ومتماسكاً… وأن الأمل في أن تعود الأمور إلى طبيعتها ، وأن مشكلتي سوف تحل قريباً أمر لا مفر منه .
توالت الأيام والسنوات ، وأنا أتنقل بين عيادة وأخرى ، وبين طبيب وآخر ، حتى وصل بي الأمر إلى مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت ، خصوصاُ بعدما أصبحت لدي مرآة واحدة ، ولكن ما باليد حيلة ، لم تتكلل أي عملية بالنجاح ، ولم يصل الطب في تلك الأيام إلى حل لهذه المشكلة ، وما زال – حتى هذا اليوم – عاجزاُ عن حل تلك المعضلة . صحيح أن تجارب كثيرة قد أجريت ، إلا أن آثارها الجانبية غير مضمونة النتائج .
وحينما انتهيت من المرحلة الثانوية ، كانت المرآة الأخرى قد بدأت تضعف شيئاً فشيئاً ولكن بعد سنة أجريت عملية تعيدها إلى ما كانت عليه ، وعلى الرغم من ذلك ، فقد كانت مشكلتها مختلفة تماماً عن تلك التي فقدتها ، وبذلك بقيت مرآتي الوحيدة لرؤية الحياة .
لم أفقد الأمل رغم كل ما حصل ، طالما أن الحياة تنبئ بغد أفضل بالنسبة إلي ، لتعودا إلى سابق عهدهما وأعود إلى طبيعتي ، إنسان كبقية الناس ، يميزه ما يقدمه للحياة ليس إلا .
ربيع عرندس