تحقيق أعده د. أنور عبد الحميد الموسى
اللاوعي الجمعي النقدي العربي لا يزال يثير إشكالية غموض الشعر أو وضوحه
تحقيق في مواقف الشعراء والنقاد والمهتمين من التذوق الجمالي ووضوح الشعر أو غموضه وحداثته أو كلاسيكيته
«بعضهم بعده جدلا بيزنطيا وغالبيتهم تراه بوصلة النقد والمنهجية والقراءة»
تحقيق د. أنور عبد الحميد الموسى
كانت قضايا/ إشكاليات وضوح الشعر أو غموضه، وعناصر الجمال في النص الأدبي، وتأييد القالب الكلاسيكي أو الحديث، ولا تزال… تطرح جدلا واسعا في الميادين النقدية ونظريات المتلقي والدراسة والمنهجية…
…وطالما يطرح الدارسون أو متذوقو الأدب أو حتى الطلاب…الأسئلة الآتية:
1-هل تؤيد وضوح الشعر أو غموضه؟
2-وهل تفضل شعر التفعيلة (الشعر الحديث) أو الشعر العمودي الكلاسيكي؟
3-ما مؤشرات الجمال في النص الأدبي الرفيع؟
ففي حين يرى بعض المتابعين أن طرح هذه الأسئلة يعد مضيعة للوقت أو جدلا بيزنطيا، كونها طرحت منذ مئات السنين، يرى آخرون أن الخوض فيها يثلج قلوب كل الأجيال؛ لأن لكل عصر خصوصية ومزايا وأجيالا أدبية لها بصماتها الواضحة… ناهيك بأن نظريات المتلقي تبيح للقارئ تقديم وجهات نظره الحرة في هكذا زوايا.
فالتذوق الأدبي، لا يجوز أن يحصر بقوالب جاهزة تمليها وجهة نظر… تحاول فرض آرائها على الآخرين…
احتراما لآراء الجمهور/ المتلقي المختلف، وتعزيزا للفكر البحثي العلمي الموضوعي، تحترم مجلة إشكاليات فكرية كل الآراء والانطباعات النقدية… منطلقة في هذا التحقيق من حس نقدي رفيع، يقبل الآخر وينفتح على فكره ورأيه…تعزيزا لمبدأ الحرية والرأي الحر…
النقطة الأخيرة هي ما يطالب النقاد والدارسون بتطبيقها، في فكرهم وسلوكهم في آن معا، تمهيدا لإلغاء التعصب الأعمى او الانغلاق الذي يلغي صاحبه… إذ أليست الآراء وجهات نظر غير مقدسة وتقبل النقد؟ أليس كل فكر يثير إشكاليات تلو أخرى؟ أليس التنوع دليل حيوية أو غنى؟
إشكاليات التحقيق والعينة
تحت شعار: «معا نصنع تحقيقا صحفيا»، طرحت مجلة إشكاليات فكرية الأسئلة الآتية على صفحات ومواقع جمة…:
1-هل تؤيد وضوح الشعر أو غموضه؟ ولم…؟
2-وهل تفضل شعر التفعيلة (الشعر الحديث) أو الشعر العمودي الكلاسيكي؟ ولم…؟
3-ما مؤشرات الجمال في النص الأدبي الرفيع؟
وذكّرت المجلة «من يود المشاركة في التحقيق، بالتعليق هنا؛ أي في خانات التعليق أو حتى في الرسائل الإلكترونية، تمهيدا لنشر التحقيق لاحقا في مجلة إشكاليات فكرية، وصفحات ووسائل صديقة…»
لوحظ تجاوب مهم من الشعراء والنقاد والدارسين والمهتمين… فكانت الإجابات متنوعة شاملة تثلج القلوب، ومتشابهة حينا، ومتناقضة أحيانا كثيرة… (التناقض يخدم الإشكاليات المطلوبة وفكرة التحقيق أو غاياته).
*وضوح الشعر أم غموض
تنوعت آراء النقاد والكتاب حول هذه الزاوية، ووصلت إلى حد التناقض الصارخ، أو الإلغاء أحيانا…
ففي حين، أيدت شريحة مهمة وضوح الشعر، رفضت أخرى الفكرة جملة وتفصيلا، ولكل فئة وجهة نظرها الخاصة.
فأنصار الوضوح يقدمون مستوغاتهم، منها:
-ضرورة احترام كل القراء…
-الغموض مدعاة نفور..
-الجمالية لا تنحصر بالغموض والايحاء..
-الغموض يعد هربا وعدم تحمل الشاعر مسؤوليته…
وفي مقابل ذلك، ينطلق أنصار الغموض من آراء أخرى، منها:
-الغموض يثري الخيال.
-الغموض ينعم على المتلقي بلذة الكشف.
-الغموض من خصائص النص الأدبي الرفيع.
-الغموض من خصوصية الشعر.
الشعر الحديث او الكلاسيكي؟!
طال التناقض في الآراء هذه الزوايا أيضا، والملاحظ أن غالبية الكتاب ركزوت في التمييز بين الحديث والكلاسيكي على الوزن والقافية… ولكل طرف مسوغاته…
أما في ما يتعلق بعناصر الجمال، فجاءت متنوعة أيضا…
وحرصا على عدم التكرار، نورد في ما يأتي الآراء القيمة مع شكر خاص من المجلة لكل من تفاعل مع التحقيق، وشارك فيه…
*الشاعر العاملي مرتضى
…من المواقف الحادة على طرح هذه الإشكالية، يلاحظ أن للشاعر حسن مرتضى موقف صارم، فيقول: «كل الشكر للدكتور أنور على الجهد الذي يبذله تجاه الأدب واللغة العربية بشكل عام، والشعر واللغة الشعرية بشكل خاص.. أما بالنسبة إلى التحقيق الذي تقوم به مجلة إشكاليات فكرية حول مسائل الوضوح والغموض في الشعر المنظوم على البحور/أي العامودي/ أو التفعيلة/الحديث/ أو النثر الذي لا يلتزم بأي وزن من الأوزان/؛ فهذه المسائل منذ زمن بعيد لا يقل عن سبعين عاماً، قد أكل المتحاورون حولها وشربوا، كما أكل الدهر عليها وشرب…»
ويشرح مرتضى: «ويكفي ما نعرفه من خلال قراءاتنا عن كبار الشعراء المعاصرين الرواد: الملائكة والسياب والبياتي والصبور وأخيراً الماغوط وغيرهم. واختصاراً أقول: إن اللغة الشعرية قادرة على التحرر من زنزانة المعنى اليتيم(الأوحد)، ولا يمكن أن ترضخ تحت وطأة الوضوح الخطابي، فلغة الخطاب شيء، ولغة الشعر شيء آخر…
ويستدرك قائلا: «من المعيب على أصحاب الشأن في فنون الأدب والشعر أن يقعوا مجدداً في حفرة الجدل البيزنطي…»
*الشاعر العراقي خضير
للأستاذ الشاعر العراقي عبد الله عباس خضير رأي نقدي ينم عن رؤية ثاقبة… يقول: «للإجابة عن السّؤال الثّاني أقول:
إن ّالموسيقى عنصر ٌ ذو أهميّة بالغة في الشّعر ، لذلك كان الوزن أو البحر الشّعري ّ جزءا ً من التّشكيلة الجماليّة للنّص ّ الشعري، وقد ارتبط الوزن مع المعنى ومع باقي عناصر التّشكيل في الشّعر ارتباطا ً عضويّا ً حتّى لا يمكن الفصل بينها…»
وأوضح خضير بالقول: «الخفيف بانسيابيّته والكامل بفاعليّة الحركة فيه والرّجز بسرعة إيقاعه، إنّما تتناسب وتتناغم مع المضمون العام للقصيدة…»
وأضاف: في الحديث عن شعر التّفعيلة والشّعر العمودي ّ، يمكنني ومن خلال التّجربة العمليّة القول: إن ّالمضمون يولد لابسا ً شكله الجمالي ّالمناسب، فقد يتّخذ شكل القصيدة العموديّة وقد يتّخذ شكل قصيدة التّفعيلة بلا قسر ٍ أو افتعال، وبلا فرض شكل مسبق على التّجربة المراد التّعبير عنها شعريّا… فليس غريبا ً في شعري أن تتآخى قصيدة العمود مع قصيدة التّفعيلة في المجموعة الشّعريّة الواحدة…»
الشاعر السوري د. محمد العتيق
للدكتور الشاعر محمد العتيق رأي لافت، فهو يؤكد أن «الصورة الشعرية عند الشاعر إعادة خلق عالم خاص من صنعه؛ فالشاعر خلّاق، تتمثل فيه رؤيته الفكرية والكونية للعالم، والتقنية التصويرية قائمة على التشبيه في أكثر الصور، ومن ثم الاستعارة والانزياح والرمز والأسطورة».
ويتابع العتيق: «الصورة الحسية المشهدية هي نتاج الشاعر الرائي وحدسه الحسي القائم على الانطباع المباشر تجاه الأشياء؛ فالصورة الشعرية عند الشاعر تبعد من الإبهام والغموض وقائمة على المفارقات والتقاط ما خلف الأشياء.
ويضيف: «الشعر صوت الذات الشاعرة ومرايا بوحها وتوقيع الرؤية والرؤيا على امتداد المواجع وانعكاس اللحظة الشعرية، وما تنجزه كقيمة و تعبير أقصى عن الزمان و المكان وحركة الانسان الدائمة، وهو ليس اصطياد صور واضحة جلية بعينها؛
لكنها آلية اشتغال لتعدد المعنى وثراء الدلالة واختلاف تعبيراتها الحسية والموسيقة،
ولا بد من لغة جليلة جذلة فخمة الايقاع رقيقة تحمل النص /، والجزالة لا تعني الجامدة والرقة لاتعني السوقي منها…
وعليه أقول:
«لا بد للنص الشعري من أن يختلف عما يقال من الحديث المباشر والعادي؛ وبالتالي لا بد من أن يكون تعبيرا دلاليا مختلفا للقارئ، يستنبط منه ما يريد ويتمنى… فالغموض لا يعني فقد الدلالة أو عماء المعنى، بل فتح مجالات التفكر للقارئ ليستنبط من بين السطور معاني مختلفة، فأنا مع الرمزية المفتوحة لا المغلقة…تلك التي تشير بومضاتها إلى ألف اشعاع و اشعاع، فالمباشرة الفاضحة والمعنى السهل والمغلق، ما هو إلا حالة انغلاق على الفكر وسطحية في التفكير وعدم قدرة على طرح التساؤلات والحيرة لدى المتلقي، من هنا لا بد للشعر من ان يكون وجبة دسمة يفكك من خلالها القارئ دلالات الكلمات والجمل، فيعيش في لحظات تجلٍّ وعصفٍ ذهني تطور أدوات دماغه وتنقله لعالم مختلف عما يعيشه بشكلة المألوف.
ويتابع العتيق: أما بالنسبة إلى قصيدة الشطرين والتفعيلة وايهما أفضل، فمن وجهة نظري لكل طابعه الخاص وحيثاته ومقتضياته بحسب الحالة والموضوع، فالشاعر في لحظة كتابته وتجلياته لا يستدعي الشكل، إنما يأتيه بشكله العفوي بحسب حاجته للتعبير…
وكون شعر التفعيلة وليد الزمن وتطوراته، ولم يخرج عن ايقاعات الشطرين، فلقد تم قبوله واعتماده، ولا فرق عندي بينهما مع اتكائي بالأساس على قصيدة الشطرين التي هي منبع لكل ما سيستجد من تحديث للشعر ولا يخرج عن أصله .
ويشدد الشاعر العتيق على أن الشعر صوت الجوهر واللغة ومثوى الكينونة البشرية وصوغ الاحساس، فكل نص يحدث أثرا في نفس الانسان، ويقول بعد قراءته الله هو نص حقق مواصفات الجمال، فهو تعبير لما يجول بخواطر وأرواح البشر و يقول عنهم ما لا يستطيع إلا الشاعر قوله، فالحالة الجمالية للشعر هي حالة نسبية تختلف من شخص لشخص. وفي النهاية لا يمكن لنص شعري مهما امتلك أن يحقق معادلة القبول لكل البشر وسيبقى حالة جدلية ما بين الناس».
*الأديبة سهام صبرا (الأردن)
تقول رئيسة ملتقى أدباء وشعراء العرب سهام صبرا: «إن الشعر الواضح يكون قد بين الفكرة من دون السباحة في بحور الخيال، فهو جميل… والشعر الغامض يضفي على القصيدة جمالا معينا يحمل كل معاني القلب رغم غموضه، وكل معانيه… وإني أراه جميلا أيضا، بحيث يسبح معه القارئ بطريقة جذابة…»
أما الشعر العمودي الكلاسيكي فاني أراه أجمل، واستمتع بقراءته أكثر …
وأما مؤشرات الجمال في النص الأدبي الرفيع فتكون نابعة من القلب، وتكسوها جمالا ورونقا الموسيقى التي تصاحب ذلك الأدب، والكلمات الرنانة التي تستقر في ذهن القارئ، كوقع جميل استقر بمشاعر من يتمتع بمعنى الأدب الراقي الصحيح
بجميع أنواعه من نثر وشعر وقصة وخاطرة…»
وتتابع: «من مؤشرات الجمال أيضا أن الشعر والنثر يتجانسان من حيث المشاعر وبلوغ أعلى درجة في الأحاسيس الجياشة، ويختلفان في أن النثر لا يتقيد ببحور أو اوزان، ويطفو علية جمالية موسيقية عذبه إن أتقن الناثر صياغة نثره قلبا وقالبا… ومن أنواع النثر القصة والخاطرة والمقالة والرسالة وكتابة السير أيضا، فيجب أن تتوافر في الأديب الناثر تلك الأدوات…»
وأما الشعر فيتقيد بالأوزان والبحور والموسيقى، ويعتمد على الإيجاز والإختزال وشحن الكلمات بالموسيقى والإيقاع…
وتختم صبرا بالقول: «إنه طرح جميل ورائع… وشكرا لك دكتور على جمال اهتماماتك بالأدب بطريقة جدابة، بورك فيك…»
*الكاتب محمد عمرو
للإعلامي وعضو مجلس إدارة شركة «الناشرون» لتوزيع الكتب والصحف والمطبوعات الأستاذ محمد عمرو موقف صريح من القضايا السابقة، يقول: « أنا مع الوضوح في جوانب الحياة كافة، فما بالك في ميدان الشعر والكلمة؟!
ويتابع: «من الطبيعي أن يكون الشاعر واضحا في قصيدته، حتى ترسخ في ذهن المتلقي…»
ويرى عمرو أنه «من خلال متابعتي للشعراء، ومن خلال المدارس الشعرية المتنوعة، شخصيا أتحيز للشعر الحديث، لأنه يستطيع الوصول إلى المتلقي أكثر ، خصوصا أن المتلقي بشكل عام غير متخصص في قواعد الشعر وبحوره …»
ويضيف: يعد النص الأدبي ذا منظومة معرفية تتأسّس على المعرفة، والجانب النفسي والعاطفي، ويعرف النص الأدبي بأنه متن الكلام الذي يعبر الأديب من خلاله عن مشاعره، وما يجول بخاطره، ويكون ذلك واضحاً في النصوص الأدبية المتنوعة، كالقصة، والرواية، والشعر بجميع أشكاله، والخاطرة، والمقال، والمسرحية، والخطب بجميع أنواعها.
*الشاعر الفلسطيني الخطيب
بدوره، الشاعر الفلسطيني حسين الخطيب، يرى أن «خير الأمور الوسط»، فالوضوح والمباشرة تحرم المتلقي متعة يصنعها خيال الصورة من ايماء وايحاء وظلال وقراءة ما بين السطور، وعند التوغل والامعان في الغموض، يضع الأخير المتلقي في موقف الضياع وعدم الاستيعاب، ويخلق فجوة ما بين الكلمات ودلالاتها فتصبح طلاسم غير مفهومة…»
ويتابع: أنا مع الغموض الممتع، ضمن خط أحمر، ويجب أن يكون هذا الغموض ضمن حدود خيال المتلقي وإدراكه…
ويستدرك الخطيب: في رأيي وقد لا يعجب كلامي هذا السلفيين في الشعر، على بحور الخليل أن تُسلم الراية لشعر التفعيلة وبكل الرضا، فعصرنا هذا يلزمه شعر التفعيلة كي يواكب ما في هذا العصر من تعقيد ومفاهيم وقيم جديدة، ولما في شعر التفعيلة من مرونة وحيوية…
ويضيف: أقول هذا الكلام الصادر عن تجربتي الشخصية…
وردا على سؤال حول عناصر جمال النص، أوضح الخطيب: «كان الشعر وما زال مظنة الامتاع والادهاش التي يترتب عليها سلسلة من التداعيات التي تنجح في نقل النص من دائرة الشخصانية الى الدائرة الإنسانية الأوسع، فتشعر وأنت تقرأ النص بأنك تجد نفسك فيه، فاذا فقد هذه السمات أصبح جسدا بلا روح…وكان أقرب إلى النظم منه إلى الشعر. (الفرق بين النظم والشعر في نهاية التحقيق).
ويختم الخطيب كلامه بالقول:«الشاعر يكتب كي يشرك الآخرين مفاعيل تجريته الشخصية وتداعياتها، وينقلها الى الدائرة الاوسع؛ دائرة الانسان».
*ليلى سيد
تنطلق سيد من قول (ليوناردو دافنشي):”حيث لا تكون ثمة إيحاءات ودلالات متعدده، وخيال طليق.. لا يكون ثمة شعر”…وتضيف: الغموض هو الذي يلون النص بالرؤى..وهو من مستلزمات الأدب وخصائص الشعر الجوهريه..
وتوضح: قد ثبت في التحليل النفسي أن هذا النوع من الغموض”المنبهات” في الشعر هو الذي يحرك الخيال.. ويعطي مدى..من التأويلات…إن عطاء الأدب مغلف بالأسرار دائما..والغموض ليس عيبا..واللجوء الى الرمز..والاشاره والتلميح.. يجعل النص أكثر ثراء.. وأشد تحريضا لخيال المتلقي… وتستشهد بكتاب “الدكتور أنور الموسى.. البلاغه العربيه والتحليل النفسي”.
وتستدرك: ومع هذا… فأنا أرى الإبداع… وطاقة الجذب والتأثير… في الغموض السهل.. وليس الممتنع!
وتتابع: من مؤشرات جمال النص.. الإبتكار.. والجدة.. والغرابه.. العفويه.. وحسن الصياغه.. وحشد الصور المنسجمه مع الموضوع.. والموسيقى الداخليه والخارجيه..الغنائيه…
وتتابع: أما عن الشعر… قديمه وحديثه.. كلاسيكيه او حديثه..فأنا لا أفضل الفصل بين لآلىء هذا العقد الجميل الممتد عبر التاريخ.. فلكل نوع ميزاته وجماليته وفنونه.
*آية زياد الصياح
تفضل الصياح وضوحَ الشِّعر لا غموضه.. وتعلل: إن الغموض يميل إلى سماتِ الشّعر في العصر الجاهلي وهو الأكثر إيحاء ولُغزا وجموداً، نظراً إلى طبيعة العيش في ذاك العصر… عدا عن التّعقيد الذي تحتويه معانيه… لهذا أفضّل وضوح الشّعرِ، لبساطتِه وجمالِه وعذوبة ألفاظهِ وسرعة فَهمِه، غير انّه يُطرب الوجدانَ قبل الآذان.. ولا شكَّ في انّهُ باتَ مألوفاً في زمننا الحاليّ.
*أبو حسن نعمة
يحبذ نعمة وضوح المعاني، على أن تجتمع مع قوة السبك وجذالة البيان وعدم التساهل في الألفاظ واستعمال المبتذل منها، حفاظاً على هيبة القصيدة العربية…
ويضيف: أما التفعيلة فلا بد من الإبقاء عليها، صوناً لحق التراث وحفظاً على موسيقى الشعر العربي التي هي نصف الشعر…
ويضيف: نعم إن كان الشعر غير التفعيلي، محافظاً على موسيقاه، كشعر نزار او طارق ناصر الدين او حتى شعر السياب او نازك الملائكة، ويتابع: «فالتجديد يجب ان تكون له مكانته بما يخدم الحفاظ على لغتنا وشعرنا وتراثنا…»
ويذكر مؤشرات الجمال، وهي في نظره: بديع الصور ، وجمالها واستعمال اساليب البيان مع البعد من التكلف…
ويضيف: مما يكسب النص الادبي جمالا حكايته عن عمق قضية تكتنزها نفس الناظم، فلا يكون الشعر مجرد نوع من الترف الخيالي والفكري ، بعيدا من الموضوعية، وأرى الشنفرى من الجاهليين وأبا الطيب من العباسيين ، والفيتوري وطارق ناصر الدين من المعاصرين أنموذجا…
*مهدي حاشيم
يؤيد حاشيم الرأي الآتي: لست ممّن يحبّذون تأطير الفكر الشّعريّ بلون موضوعيّ معيّنٍ أو بشكلٍ تعبيريّ واحد، إنّما أنا مع حريّة التّفكير والتّعبير. ولكلّ لون شعريّ أنساقه الخاصّة به سواء أكان منظومًا أم منثورًا على النّهج التّقليديّ أم التّجديديّ أم الحداثيّ، فالذي يضفي الجمال على المنجز الشعريّ هو الحسّ الإبداعيّ المتجلّي في النّصّ وفقًا للتّجربة الشّعريّة المنتجة له، المؤسّسة أصلا على صدق الشّعور بالمعنى المعبّر عنه، ناهيك عن جمال الأسلوب الصّائغ للمعنى، وكذلك حسن التّوقيع الموسيقيّ وحسن التّوقيع المعنويّ المنسجمان طبعًا في بناء التّشكيلات السّياقية للقصيدة أو النَّثيرة.
وعلق د. أنور على القول السابق: رأي نقدي يشي بالاطلاع على نظريات القراءة النقدية.”
لكن حاشيم قال: «حقيقةً ليس رأيا، بل رأي دكتور لي له تجربة…»
فقال د. أنور الموسى: «لا نستطيع الادعاء بأنه حقيقة، كلمة حقيقة تبقى نسبية… وما أوصلنا إلى ما نحن فيه ادعاء كل طرف بأنه رمز الحقيقة… دمت حاشيم، وزودنا بالاسم حتى نوثق أفضل…»
*حسين عوض
يقول عوض: «غموض الشعر يعطي جمالا للشعر ورونقا مختلفا عن وضوحه..
ففي الغموض تتوسع مخيلة القارئ، ويتوسع تفكيره حول هذا النمط.
أما الإبقاء على شعر التفعيلة،من وجهة نظري، فأمر ضروري، ففيه تستطيع تمييز الشاعر المتمكن من شعره من الشاعر المتمرس، وتعطي النص جمالا ونغما موسيقيا جميلا وتصغي له الأذن ..
*حمودة الجميل
يقول: “أختار وضوح الشعر مع وجود بعض الكلام الحوشي، لِما يتبع حوشي الكلام من بحث وتدقيق، وبالتالي يُسهم في حفظ القصيدة أو بيت الشعر على الأقل.
ويضيف: أفضّل الشعر الحديث؛ لأنه يملك موسيقى خاصة، ومواضيعه أقرب إلى ما نحن فيه.
ويتابع: نوعيّة القضية التي يطرحها ويناقشها النص الأدبي تنعكس سلباً أو إيجاباً على جمال النص، وجمال النص أيضاً من جمال التراكيب والألفاظ وسلاسة الانتقال من جملة إلى جملة، وأيضاً ممّا يؤثر في جمال النص، طوله ، فلا يكون مُمِلّاً ولا يكون مختصراً قصيراً ، بل متوسط الطول…
*صالح بكر
صالح بكر يفند آراءه كالآتي:
١-أؤيد وضوح الشعر ليحقق هدفه…
٢-افضل الشعر الحديث لأننا لن ندرك ما أدركه القدامى في الكلاسيكي، فما دمنا لا نستطيع مجارتهم في شعرهم، فلنعش حاضرنا…
٣-وارى ان جمال الشعر في مقدار ملامسته لواقع الحياة…
*منى كرامة
تقول منى كرامة: أفضل الشعر الكلاسيكي، لانه يحافظ على بنية القصيدة، باعتماده على نظام الشطرين؛ القافية الموحدة والروي الموحد…
*كوثر محمد علي
تقول كوثر: إن للشعر رونقا وجاذبية لا يضاهي أحدا عندما يكون واضحا، فهو بذلك أقرب الى ذهن القارئ ويصبح أكثر ترسيخا في ذاكرته، بينما الشعر الغامض فلكثرة جزالته وبلاغته احيانا، يصعب فهم معناه المراد، ما يصبح شيئا عابرا بعض الشيء…
وتتابع: بما اننا نتكلم على الشعر الواضح، يذهب تفكيرنا الى الشعر الحديث، فكما نعلم، فان الشعر العمودي الكلاسيكي يخص العصور القديمة التي تتميز أغلبيتها بغموض الفاظها ومعانيها ربما،
ففي رأيي اجد ان جمال الشعر يكمن في وضوحه وسهولة معانيه والفاظه احيانا، ما يجعله يحاكي العقل والوجدان، ولكن بذلك لا اعني تهميش بلاغة الشعر وجزالة مفرداته…
*فرح غزال
توضح غزال رأيها كالآتي:
1.أفضل غموض الشعر، لأنه يساعدنا على التعمق في معرفة ألغازه والتفكير فيها، وينمي عقولنا وتفكيرنا.
2.أحب الشعر الحديث والكلاسيكي.. ففي الشعر الحديث نستطيع أن نفهمه من دون اللجوء إلى المعاجم، وهو الأقرب إلى عامة الناس.. أما الشعر العمودي الكلاسيكي ففيه تراث عربي أصيل لا نستطيع أن نتلاشاه أو ننكره.
3.وهناك مؤشرات عديدة لجمال النص كإحساس الشاعر/الكاتب.. وكثرة الرموز.. والطباقات.. والسجع.. والتورية.. والصور البيانية والمحسنات البديعية؛ حيث تولد إيقاعا موسيقيا عذبا وتعطي نغما، وتبعد الرتابة المفضية إلى الإملال، وتبعث في نفس القارئ التشويق..
*طالبة الماستر فاطمة قبيسي
تدلي بدلوها كالآتي: الغموض يجلب الاثارة ويجعل القارئ متلهفا ومتعطشا لقراءة المزيد.
فالشعر هو فن، و كل فن فيه لمسة من الغموض يدل على ذكاء صاحبه، ويعكس جمالا، ويقلل من الرتابة، و الشعر الجميل هو الشعر الذي تكثر فيه الرمز…
وتتابع: أفضل الشعر الحديث، وأهوى كتابة القصائد، واحب قراءة الشعر المرموز، وان كان الجمال في الوضوح والصفاء،فالجاذبية في الرمز و الغموض، والجاذبية جمال، فكيف ان كان كل جذاب في كلماته جميلا؟
وترى أن مستوى جمال الأدب، يعود الى جمال اللغة، والعلاقات الاسنادية، والرمز، والصور الشعرية، وان يتخطى الشاعر المرئي والمسموع، فيصير بشعره ساحرا وناطقا بكل دفين.
*علي عباس
يقول عباس:
إن الجمال الحقيقي للشعر يكمن في الحديث منه، إذ إنه يقرّب الانسان من الواقع بحشد من الالفاظ ذات قيمة على مستوى الموضوع( يتناسب مع العصر) بسلاسة و سلسلة من السلال الموسيقية بعبارات رشيقة لا تتعب النص ولا القارئ..
*محمد دهيني
الشاعر دهيني يقول:
انا مع الشعر الذي يهززك عند سماعه…
ومع القصيدة التي تدعوك الى سرقتها…
انا مع الابداع ايا كان لونه…
*محمد خليل ضاهر
يقول: انا أؤيد الشعر الذي تحثني ابياته على استنطاقها، لأن في ذلك ملذة أكثر من كونه واضحاً..
ويتابع: الشعر الحديث يتيح لي الفرصة أكثر في التصرف بحرية داخل قصيدتي ..
ويرى الجمال في الذوق الفني والصور البيانية والمحسنات البديعية ..
*مريم عصمان
تقول مريم: لكل نوع من الشعر رونقه وجماله، ولكن في عصر السرعة والتطوّر فالشعر الحديث سريع الايقاع، ولكن يٰفضل الابقاء على التفعيلة… لأن شعر التفعيلة غني بالايقاع الموسيقى الداخلي والخارجي.. وطبعا من علامات الشعر الجمالية في الصور البيانية والبديعية، ولا ننسى أن الشعر الذي يسهل فهمه يعلق في الأذهان.. وكما يقال السهل الممتنع…
*ابو لين
يقول ابو لين:
أولا: الغموض غير المتكلف يعطي آفاقاً أوسع للخيال والمعني…
ثانياً: أفضل الشعر الكلاسيكي كقوة وأصاله، ولا مانع من شعر التفعيلة اذا ما احكم بناؤه وتناسب والهدف منه، لا كوسيلة للهروب من قيود الكلاسيكي فيؤدي إلي الركاكة…
ثالثا: مؤشر الجمال هو بلوغ التوصيف وإجلاء الحالة، كذلك ملامسة أكثر من معنى وإطلاق الخيال…
طالبة الدكتوراه حنان الزين
للسيد الزين تقول: «يبقى الغموض من مستلزمات الشّعر ومن أشيائه الجوهريّة…» وتسال: هل من الممكن أن يكون هناك شعر والخيال مقيّد؟!
ولأنّه أعمق وأبقى ولأنّه يلوّن الشّعر ويغنيه بالرؤى والأطيا… وتتابع: الغموض ليس نقيضاً للبساطة فلماذا لا تفهمون ما يقال؟
ما يقال عن شعر يصمد كالصخرة في طريق الشّاعر حيث يعالجه بالصّبر الطويل والكد المضني،ّ حتى يفجّر منه الماء السلسبيل.
الأستاذ الخطيب حسين
يقول: سألني صديقي”ما الفرق بين الشاعر والناظم؟”
أجبت:
ان تكون شاعرًا اذن انت انسان غير عادي؛بما وهبك الله من ملكاتٍ ليست عند غيرك ؛عمادها هذه الذهانية الشعورية التي تكاد تلامس الخطوط الحمراء للعادي والمألوف والمعقول.
في نظرتك الى ذاتك ومحيطك الاجتماعي والإنساني ؛في نظرتك للطبيعة حجرها وشجرها وحيوانها.
ليس شاعرًا من يتخندق في ذاته ويعتصم بصومعته.لا يحدث الا نفسه ولا يسمع سوى نبض قلبه وصدى زفراته.
ليس شاعرًا من لا يحركه دمعة يتيم ولوعة ثكلى وانينُ مريضٍ يتلوى تحت سياط الوجع .
ليس شاعرًا من لا تسحره لثغة طفلٍ معجونٍ بالبراءة وغمّازتان في خديِّ طفلةٍ ملاك.
ليس شاعرًا من لا يسحرُهُ جمال فلاحة صبية تذوب خفرًا وخجلاً وتتألق فتنةً تسرح مع غُنيماتها في الحقول.
ليس شاعرًا من لا يدهشهُ حبة مطر تقرع باب التراب قائلة :اخْرِجْ خيراتك باذن الله؛والتماعُ برقٍ يمازح عتمة الليل يسلبها معطفها الأسود لبرهة ثم يمضي.
يا صديقي الشاعر هو طفلٌ مسكون بالدهشة وتصاحبه هذه الدهشة حتى الرمق الأخير وإن شابَ شعرُهُ وانحنى ظهرهُ ووهن عظمه؛ الشاعر يا صديقي ينحت كلماته من حنايا ضلوعه ويسقيها من سخين دموعه ثم يدخلها شغاف ومن هناك يرسلها لتقع في قلوب السامعين وليس في آذانهم .
اما الناظم يا صديقي فنظمه لا يتجاوز حدود الاذن لانه لم يتماها مع الحدث او الموقف او الحالة وتعاطى معها من بعيد مُحَيِّدا شعوره ومعاناته وتماهيه الامر الذي حرمه من فرصة التاثير في المتلقي وحرمان ذلك المتلقي من متعة الدهشة.