السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / مقابلات وتحقيقات / هكذا تلقى اطفال الأمس تربيتهم الجنسية!

هكذا تلقى اطفال الأمس تربيتهم الجنسية!

هكذا تلقّى أطفال الأمس تربيتهم الجنسية
رسم: فرات شهال الركابي
رسم: فرات شهال الركابي
اغتصبت طفلة، واتهمت بالجنون شابة! إنها رلى التي لم تكن تتجاوز السادسة من عمرها حين تعرضت للاغتصاب. الجاني معلوم لديها: هو والدها بالتواطؤ مع أمها. قصة مؤئرة ومثيرة للعجب والدهشة، لكنها حدثت وتحدث مثيلاتها… “في أرقى العائلات”.
تقول رلى: “لم أكن لأدرك ما “يصنعه” أبي بي وبأخَوَيَّ. كنت أعتقد أن تصرفاته عادية. استعلمت لاحقا من أمي، فلم تصغ لي، خوفا من قسوة أبي، ثم قالت: شيء عادي، إنه والدك! استمر “الوحش” في تحرشه. وفي سن التاسعة، بعد عملية اغتصاب مماثلة ومؤذية، استفسرت من فتاة تكبرني سناً، فأخبرتني أن تلك العلاقة لا تمارس مع الأب. شكوت لأمي التي كانت تترك المنزل، ولجأت لاحقاً إلى أخوالي وبعض أقربائي فلم يتدخلوا. وها أنا في سن الخامسة والعشرين، وقد لجأت لجمعية حقوقية تقاوم العنف، وتركت المنزل، وعادت لي الثقة بنفسي… بيد أن أبي لا يزال يلاحقني، وهو مدعوم سياسيا، ويشوّه سمعتي، ويتهمني بالجنون!”.
تتابع باكية: “المجتمع لا يرحم؛ إذ أتعرض لاهانات جمة، وتحرّش الشبان والرجال بذريعة أني مغتصبة. بصراحة، لم تكن لدي تربية جنسية سليمة تجعلني أحمي نفسي وأنا طفلة، وحبذا لو تلقيت تلك التربية في سن مبكرة…”.
رلى، التي عرضت قصتها مؤخرا على إحدى المحطات الفضائية، تتمنى لو أنها تلقت تلك التربية في الخامسة: “كنت ميّزت اللمسة الأبوية من الأخرى الحيوانية والشهوانية…”. هنا تطرح الأسئلة الآتية: هل يؤيد الشباب الجامعيون والاختصاصيون ما طالبت به رلى؟ وهل تلقّى هؤلاء في طفولتهم تربية جنسية سليمة؟ وما مصادرها؟ ولِمَ لا تدخل المدارس التربية الجنسية في مناهجها؟ وما دور الأهل في هذا السياق؟
هذه الأسئلة تكشف عن مواقف متناقضة، فمن متحفظ على الموضوع “كوننا لا نريد فتح عيون أطفالنا على الإباحية والجنس…”، إلى متحرر يؤيد قضية التربية الجنسية في سن مبكرة، وإلى ثالت يدعو إلى إدخال تلك التربية في المدارس والجامعات… ضمن ضوابط!

الشباب والتربية الجنسية

تنوعت آراء الشباب الجامعيين حول المسألة. رامي سعد (20 عاما) ينفي أن يكون قد اطلع على تربية جنسية سليمة في الطفولة: “كنا صغارا نجتمع، ويدلي كل منا بدلوه في الجنس، ونتعلم معلومات خاطئة حول الزواج والعلاقة الجنسية والحب والإنجاب…”. ويؤكد أن لذلك آثارا سلبية على الشاب ومفاهيمه حول الجنس والمرأة لاحقا.
ولعل آراء رامي، تتوافق مع ما تبوح به علا غزال (22 عاما): “الجنس عند أهلنا من الأمور التي يرفض الحديث عنها في سن مبكرة، ومنا من كان يخجل من توجيه الأسئلة الجنسية للأهل…”.
بدوره، سليم شريم (19 عاما)، يسرد بعض مواقف الأهل مع أبنائهم لدى توجيه أسئلة محرجة لهم: “يقولون لنا لدى الاستفسار عن الجنس: عيب وحرام، ولا تزال صغيرا على هذه الأمور… أو نعاقب”. في رأيه، الكبت الجنسي في مجتمعنا يصل إلى نسبة قياسية، و”لا أغالي إذا قلت: سبب نفاقنا يبدأ من هنا…”
داليا أيوب (21 عاما) بدورها، تشير إلى نظريات نفسية لافتة. تقول: “يغلف الطفل بقناع زائف منذ صغره؛ فهو بسبب سوء تربيته الجنسية، قد يظهر عكس ما يبطن، فتكبت الغرائز عنده بشكل غير سليم”. وتضيف متسائلة: “لم لا يشبع الأهل نهم الطفل للمعرفة منذ الطفولة؟ وما العيب في ذلك؟”.
وفي نظر جورج الياس (ثالثة علم نفس)، الهواجس الجنسية لا يمكن تعميمها عند كل الأطفال، ولا سيما ذوي الجو الأسري الهادئ والحميم. وبالتالي، لا داع لفتح أنظار الطفل على الرذيلة: “أنا شخصيا، لم يكن لدي وقت كاف للخوض بهذه الأمور؛ نظرا إلى انشغالي وأنا طفل، بالدرس والرياضة والرحلات والمطالعة…”. ويوافقه الرأي الشاب الثلاثيني سامر عبد الله (دراسات إسلامية): “هذه ثقافة مستوردة من الغرب… جنس يقدم للطفل؟ هذا هراء، انظر ماذا حدث في الغرب؛ انتشرت المساكنة واللواط والشذوذ الجنسي نتيجة تلك التربية…”.
ولا يخفي نجيب عيسى (ثانية تاريخ) امتعاضه من كلام زميله، فيرى أن التربية لم تعد تقتصر على الأهل والمدرسة؛ لأن الغزو الثقافي طال حتى برامج الأطفال وألعابهم، فضلا عن المسلسلات المدبلجة والأفلام عامة؛ “ألم تشاهد كيف يتحلق الكبير والصغير لمشاهدة قبلة أو لقطات إباحية؟ ولذا، كيف يمكننا إخفاء القضايا الجنسية عن الطفل؟”.
إلى ذلك، لزهرة علوان (35 عاما) تجارب واقعية حول الموضوع، وهي تبدي حيرتها في التعاطي مع أولادها، خصوصا أسئلتهم المحرجة المتعلقة بالجنس: “يسألني أحدهم: من أين ولدنا؟ ويسأل آخر: لِمَ لا تمتلك أختي قضيبا؟ ولِمَ نغلق (والده وأنا) باب الغرفة في أثناء الليل؟”. وتسرد: “ابني في الثامنة، ضبطته مرة يشاهد فيلما إباحيا عبر الإنترنت، فعاقبه والده عقابا شديدا، ومنع عنه الإنترنت”. وتروي قصة ابن جارتها الذي ضبطت في هاتفه لقطات مغلوطة عن الممارسة الجنسية، وراح يجمع حوله أترابه ليشاهدوها، ويوزعونها على بعضهم عبر “البلوتوث”. وتسرد أيضا حكاية طفلة كانت تشتري لدى مغادرتها المدرسة بألف ليرة؛ فيعطيها “الدكنجي” سكاكر وألعابا إضافية!
من جهتهم، يروي بعض الشبان قصصا وهمية أو واقعية لزملاء لهم تعرضوا للتحرش، بسبب ضآلة التربية الجنسية؛ منها مواقف في أماكن نائية، أو في غرف مغلقة وحتى في المدارس. يقول باسم الأشقر (ثانية حقوق): “الكبت الجنسي الذي يعيشه العربي مدعاة للسخرية، فكل ممنوع مرغوب”. ويشرح هازئا: “من أسباب الثورات العربية الكبت الجنسي منذ الطفولة”.

آراء الاختصاصيين

ريما جشي (اختصاصية علم نفس مدرسي وعيادي) تؤيد بشدة مسألة التربية الجنسية في المنزل والمدرسة: “لأن الزمن تجاوزنا، والتكنولوجيا اقتحمت حياة الطفل في المهد”. ولذلك، ترى “أن “تقديم مادة سليمة مقننة، تحت إشراف المدرسين والأهل ورقابتهم، خير من تلقيها بطرق ملتوية…”، لافتة إلا أن على المربين والأهل مراعاة المرحلة العمرية لدى الإجابة عن تساؤلات الطفل، ولا يجوز بالتالي تقديم معلومات مغلوطة أو خرافية، لأن حب الاستطلاع واكتشاف الآخر والنهم المعرفي… أمور تبدأ مبكرة عند الإنسان، وهي قضايا مهمة لتعزيز الثقة بالنفس، ومعرفة المحيط، وتطور الشخصية، ونمو الذكاء…”.
بدورها، ترفض رحاب الشريف (تربية، ورياض أطفال) تلقين الطفل تربية جنسية في سن مبكرة: “دعوا الطفولة تنمو مع الطفل، وعلى الطفل أن لا يلقن واجبات الكبار…”. وتشدد على التربية الجنسية غير المباشرة، ولا سيما من خلال أدب الأطفال كالقصص والأناشيد والأغاني، مع مراعاة خصوصية الطفل في مجال العمر واللغة والخيال والعاطفة ومستوى الذكاء، “لأن الطفل يميل إلى التقليد في مرحلة ما، ويتماهى مع الأهل وبدائلهم من خلال الأبطال وشخصيات القصة ذات المغزى الهادف”. وتؤكد على “أهمية تفهم الطفل والمراهق بعيدا من التسلط والنبذ والعنف، وفتح قلب الأم وأذنها لابنها من أجل تفهم هواجسه، والإجابة عن تساؤلاته بمنطق، بعيدا من التكتم والرياء”.
ويشدد المشرف التربوي وائل العلي على أن التربية الجنسية قضية باتت شائكة في هذا الزمن المفعم بالتناقضات؛ فالموضوع، في نظره، “يتطلب وعيا من الأهل والمجتمع، وتنظيم دورات التربية الجنسية للكبار قبل الصغار؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن الضروري أن يتحلى الأهل باتزان نفسي، وتوافق أسري، وتربية جنسية ملائمة، ليقدموا نماذج إيجابية في التربية الجنسية لأطفالهم، ومن المفيد أيضا توظيف المناهج التربوية في التربية الجنسية على مستويات جمة… ولا سيما التربية الدينية والمدنية وبعيدا من الخوض في إثارة الغرائز أو التعصب”.
من ناحيته، لا ينكر محمود العقيل (اختصاصي علم اجتماع) أن للتربية الجنسية مصادر جمة، كالأصدقاء، وأتراب المدرسة، ووسائط حديثة كالتكنولوجيا والخلوي، والإعلام والإعلانات، مشددا على أهمية توظيف وسائل الإعلام في هذا السياق، “عبر أفلام وبرامج هادفة، وضبط الإعلانات التجارية الرخيصة التي تحول جسد المرأة إلى سلعة، وتروج للممنوعات والإباحية”.
ويرى أن الطفل أو المراهق، قد يجد صعوبة في اللجوء إلى الأهل لتوضيح بعض الأمور الجنسية؛ لأنه ينبذ السلطة، وبالتالي، قد يلجأ المراهق إلى عصبة أو أصدقاء؛ لأنه يرى فيهم حضنا دافئا. وكذلك، لا يتقبل فكرة اللجوء إلى المدرِّس، لأنه يجد فيه بديل الأب، فينبذ التلقين المباشر: افعل كذا، لا تتحرك، ممنوع… ولذا، من الضروري اللجوء إلى التعزيز الإيجابي، والإطراء… مع تقديم النصائح والتربية الجنسية بقوالب محببة للطفل.
ويولي بعض المعنيين التربية الجنسية للطفل والمراهق عناية فائقة تطال تأثيراتها مرحلة الرشد. يقول الدكتور حمدان حماد: “إن تأثير هذه المسألة قد يشمل الشاب عند الزواج، ولا سيما من خلال علاقته بالجنس الآخر؛ فالتربية الجنسية الخاطئة، قد توقعه في حرج مع الزوجة، وقد يخفق في العلاقة الجنسية والإنجاب… والشواهد عديدة عند رجال تورطوا في علاقات أضرت زوجاتهم جسديا ومعنويا…”.
قضية التربية الجنسية للأطفال مسألة شائكة، وسواء لاقت المسألة قبولا اجتماعيا أم لم تفعل، فإن الطفل وحتى المراهق والشاب، لا يسلمون من تأثيراتها، فإما أن يقعوا في هوّة الخرافات، أو يترعرعوا على الصراحة والموضوعية.

0

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.