الأحد , فبراير 23 2025
الرئيسية / جامعيون ومواهب / وأنا غني يا معلمتي…حد الفقر!

وأنا غني يا معلمتي…حد الفقر!

وأنا غني ٌ يا معلمتي
حدَّ الفقر…
بقلم الجامعي محمد حسن دهبني
إنَّ لنا في هذه الحياة يا صاحبي ثلاثة حروفٍ، تمسك بأيدينا وتطهونا على نار من عجل، فنصير وجبة لصغارها.
حتى الآن لم نستطع التخلي عن اولّها لنقرأ ما تبقى وتطمئن قلوبنا.
وحتى الآن ورغم كل هذا الدقّ لم تفتح ذراعيها، خشية ان يقع هلالها وتلمع عيوننا.
وحتى الآن آخرها يكرّس في الأرض فكرة العبودية.
أشعلتْ سيجارتها الألف، وجلسَ العرش تحتها ذ. يبدو أنها جائعة. !
لكن فكّر معي! أين نار طباخها و من سيكون وجبة هذا اليوم.
نادت للطباخ أحضر لي… شربة ماء لا أظمأ بعدها أبدا …

دارتْ عليّ الحياة ودار دولابها ، وحطّني في مدرسة.
لا شيء أسوأ من أن تدخل المدرسة ، هذي التي تقص جناحاتنا برجعيتها.
وتجعلنا أشخاصاً عاديين.
حملتُ عكازة عقلي وصعدتُ الفكرة صفّّا ًصفّاً.
والبلاد هي البلاد كل يوم هي في شغل، تؤسس للموت أرضا وسقفا.
حضر الشتاء وكان هواؤه حاملا ًما يرعب.
ونحن جلُّ همنا كيف نلعبُ، لقد أجبرنا هذا الأخير أن ندخل الصف ولم يدرِ أنني محرجٌ .
القوانين البالية لم تراعِ عرقَ أبي ولا جيب أمي.
كنت أخاف الدخول إلى الصف. خشية ان تسألني معلمتي عن كتابي. كانت الشقاوة الحل الوحيد لأهرب من عذاب الاسئلة. وأطرد خارجاً.
فصحيح يا شتاء انك تمطر ، لكن ليس بوجهك ماء.
أدخلْـتَني المحكمة وانا لم يتجاوز عمري الخمس سنين وعامين.

لم أرَ على بابها العدل أساس الملك، إنما رأيت، الثاني ابتدائي الشعبة أ.

وبدأتِ المحاكمة
قال القاضي صارخاً بي :
أين كتابك؟..

لم أكن أملك الإجابة عن هذا السؤال ، غير أني أجهدت نفسي لأثبت لصديقتي التي أحب أنني لست خائفا.
فقلت ُ والبراءة تعلو صوتي: (بس يرجع بابا بجبلي الكتاب).
ولكن دمعةً سبقتني كانت الجواب الأمثل عن سؤالها.
فأسكتت المعلمة وجعلتها تقبلني ، لا بأس بقبلة عند الصباح.
ولكن أوجع القبل يا أمي تلك التي تأتي حسرة وشفقة ، لم يعرفوا أن للقبل أشكالا ، لكن لا عليك. بهذا ولا تشغلي بالك.

ومعلمتي الثانية صاحبة النشاطات طلبت ْمني ان أنفذّ واحداً فقلت لها: ليعود أبي اصنع ما تشائين فهو فنان مبدع يرسم برشته وجه الحياة الجديد
فـلم يستطع المدير أن يمدَّ يده إلى قلبه وينتشل حفنة عاطفة ويضع لي غير الصفر.
لم. يكن صبوراً بما يكفي لينتظر عودة أبي.

بعد كل هذه المهزلة حضر أحد الاقارب ليأخذني للبيت. كانت أسعد لحظات حياتي، وأنا أفرُّ من بين ايدي هؤلاء القتلة .
و افكر بالكتاب الذي أحضره لي أبي لأُبيّضَ وجهي امام صديقتي التي احبها سراً وجهراً.

دخلت ُالبيت كالعادة بكامل شقاوتي ركضا وزحفا ، وقفزا وصراخا .
وناديت أمي : أين أبي؟.
قالت في غرفته لقد احضر لك كتابا ستقرؤه وتصبح مجتهداّ

دخلت الغرفة ، لبستني الدهشة،وجدت أن أبي قد غيّر سريره.
أصبح أصغر بكثير ، من الذي تعودت أن اراها فيه،
ولم يعد هناك مساحة لأنام جنبه واشد على ذراعه والعب بذقنه الشقراء.
حاولت ايقاظه ، وانا اردد أين الكتاب؟، اين الكتاب يا أبي؟ لكنه لم يستيقظ.
لأول مرة اطلب منه شيئا ولا يفعله.

كشفت عنه الغطاء . لم أجد الذراع التي تعودت أن انام عليها .
ولم أرَ العين التي تعودت ان اكحل عين قلبي بها .

فقلت له هامسا في أذنه يا أبي لا أحب مزاحك ، اين كتابي وقم لدي نشاط في الرسم .
لم يستجب لندائي .

أبي يا معلمتي عاد في سرير صغير على قدر حجمه.
عاد مستشهداً ولكن لا تقلقي لقد احضر لي كتاباً لكن غير الذي تظنين.

هذا الكتاب هو كتاب حزني ، خذيه ، واقرئيه دمعةً دمعةً وعلمي به أصدقائي أن أبي هو الأستاذ الامهر .
الذي خط الكتاب وهو لا يجيد القراءة والكتابة.
علميهم أنه احتضنني وهو بلا ذراعين ، علميهم انه نظر اليّ بعينيه المغمضتين .
علميهم أن أبي مات ليكتب لي بريشته الحمراء ان الدم الزكي ثمن للحرية ومؤسس للفكرة في أرض الغد.
لا بأس ان تتعلمي انت أيضا يا معلمتي ، وأرجوك أن ترسلي نسخة للمدير .
عساه يرفعه لرئيس الارض ويوقف هذه الحرب التي تسلبنا الاباء وتمنعنا من القيام بواجباتنا المدرسية…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.