تَــأَمُّلات الخطيب·..بقلم الشاعر الأستاذ الخطيب حسين
.. أتخافُ من الموت؟!
لمَ لا تتصالحُ معهُ؟!
كان الموت ولا يزال منذ فجر التاريخ حتى يوم الناس هذا الهاجسَ الاكبر الذي يؤرق عيش الانسان، ويسلبه نعمة السلام والطمأنينة.
وقد بذل البشر من اموالهم وافكارهم الشيء الكثير كي يدرؤوا هذا الموت عن حياض وجودهم دونما جدوى، فاعلنوا استسلامهم والاعتراف به بوصفه حقيقة كونية ضمن منظومة من النواميس الكونيه التي ابدعتها يد الخالق العظيم تنتظم شؤون هذا الكون من الذرة حتى المجرة.
ولكن البشرية لم تسلم من تداعياته النفسية، حيث اورث الموت المتربص ببني البشر السواد الأعظم من الناس سلسلة من الامراض النفسية وعلى راسها وبلا منازع الاكتئاب..
امام جدلية الموت هذه، الحاضرة ابدا في ضمير الانسان وعقله وقلبه…التي لا تبارح وعيه تشاغب على هامش حياته وتهمس في اذن روحه…ان هذه الدنيا ليست دار قرار، احزم حقائبكَ استعدادا للرحيل ، انبرى عبر التاريخ مجموعة من العلماء والحكماء والفلاسفة والشعراء يقاربون حقيقة الموت فرضيةً ونظريةً، بدءًا من اليونانيين ومرورا بالفلاسفة الهنود وانتهاءً بالديلكتيك الماركسي، وكانوا كالمحتطب بليل حيث انهم لم يفلحوا بمقارباتهم هذه باشباع وارضاء العقل البشري بما خلصوا اليه، بل كان اكثرهم ينظر الى المشروع الوجودي البشري من نافذة المقولة التي رفع بها عقيرته ذلك الجلف البدوي الدهري _انما هي ارحام تدفع وقبورٌ تبلع_واعتبروا ان الحياة مجرد عبث وان الموت انتكاسة في العدم.
الامر الذي لايقبله العقل السليم والمنصف حيث ان دقة الصنعة والابداع الذي ينتظم هذا الكون من الذرة الى المجرة لا يلتقي مع العبثية التي خلص اليها هؤلاء لقوم، فالمشروع العظيم( الوجود) لا بد له من غاية عظيمة.(الانسان)
وحده المنطق القرآني وبخطىً ثابتة وثقة ويقين جاس خلال ديار الموت تعريفًا وتشريحًا، وأعطى أجوبة ترضي العقل والقلب، بل اوغل فيه في الوقت الذي جبنت فيه الفلسفة الوضعية، فوقفت عند شاطئه تقدم رجلا وتؤخر أخرى.
لقد اعتبر المنطق القرآني الموت قفزة نحو الخلود وليس انتكاسة في العدم.
لقد شذّبَ القرآن الكريم وجه الموت وازال عنه تلك الرتوش التي توحي بالقلق والخوف والعدميه، وابدلها املا وفرحا وسرورا… من خلال خارطة طريقٍ رسمها لكل مؤمن يطمح في ان ان يتخلص من فوبيا الموت وتداعياته النفسيه.
لقد عرف القران الموت على انه مخلوق خلقه الله كما خلق الحياة( خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا)…
اذا، هو مخلوق وله وظيفة في ارض البشر.
يقلب أجيال بني آدم جيلا بعد جيل من خلال اقدار وآجالٍ قدّرها الله الحكيم الخبير.
فهناك أجيال قدّر الله سبحانه ان تؤدي حركتها على ظهر هذا الكوكب، والموت هو الضوء الأخضر الذي يسهل انتقال هذه الأجيال من عالم الغيب الى عالم الواقع.
هناك آياتٌ كثيرة في القرأن تتناول الموت وانت تتلوها تشعر بانعدام تلك المشاعر والاحوال التي تُصاحب الموت من قلق وخوف و عدمية وضياع وتشتت “طبعا ليس ذلك الا للمؤمن الذي يؤمن بالله واليوم الاخر: نقلة سريعة الى عالم الفرح والسرور والامان كما جرى مع ذلك الرجل الذي جاء من اقصى المدينة يقول يا قومي اتبعوا المرسلين مجرد ما قتل انتقل الى عالم اليقين والفرح والسعادة بل راح يتمنى لو ان قومه سمعوا كلامه لينعموا بما ينعم هو به(قال يا ليت قومي يعلمون بماغفر لي ربي وجعلني من المكرمين)
لقد قفز وبسرعة فوق رهبة الموت وظلاله الكئيبة الى عالم من الفرح والسرور
بل اكثر من ذلك أولئك الشهداء الذين يتسربلون بالدماء في منظر تقشعر له الابدان من نزف للدماء وتقطيعٍ للاوصال تراهم فرحين بما اتاهم ربهم من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من بعدهم ان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
كثيرة كثيرة هي الايات القرآنية والمشاهد التي وردت في السيرة لا يتسع المقام لذكرها، ان القران الكريم بمقاربته للموت وعالم الموت اراح المؤمنين من جهد العناء والبحث و قدم اليهم صورة واضحة للموت وما بعد الموت بحيث جعل ادنى فرد في المسلمين يطلبه ان كانت الحياة فيها فتن تكاد تودي بالمؤمن و ترديه في مهاوي الكفر فقال:اللهم اجعل الموت راحة لنا من كل شر,
وكذلك جعل بلال ذلك الصحابي العظيم يقول وهو يجود بروحه: غدًا القى الاحبة محمدًا وصحبه،
خلاصة القول ان الموت في عرفنا نحن المؤمنين هو قفزة نحو الخلود وليس انتكاسة في العدم
هو جسر يصل بنا الى بلاد الافراح حيث لاموت بل خلود في نعيم لا ينفد
فالايمان بالله واليوم الاخر يشفي العقل والقلب ويكفينا فخرا ان المسلمين المؤمنين هم اقل الناس اكتئابا لانهم يرنون من خلال نافذة الموت الى جنة عرضها السموات والارض وإن انسَ فلن انسى مقولة ذلك الفقير العارف بالله وهو لايملك من حطام هذه الدنيا شيئًا يقول فرِحا: إنّ بِنَا سعادة لو علم بها ملوك الارض لجالدونا عليها بالسيوف…??