قراءة في كتاب علم النفس الأدبي للدكتور انور الموسى
2016-11-12
قراءة في كتاب
1,946 زيارة
كتاب في المنهج التحليلي النفسي للأدب
في طبعته الثانية
علم النفس الأدبي. منهج سيكولوجي في قراءة الأعماق؛ للد. أنور الموسى، صادر عن دار النهضة بيروت… وإليكم قراءة في الكتاب وأهميته:
والواقع أن هذا الكتاب، يحاول سد فجوة مهمة في ميدان النقد والمنهجية… ولا سيما أنه يساعد الدارسين على اتباع منهج حديث متماسك؛ أعني “منهج التحليل النفسي للأدب” الذي، على ما يبدو، لم ينل قبل العام الجامعي 2010/2011، العناية الكافية في مرحلة الإجازة في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية… إلى أن جاء النظام الجديد (L.M.D) ليدخل مادة علم النفس الأدبي مادة إلزامية اولا ثم اختيارية، موجزا، من خلال التوصيف، أهداف المادة على النحو الآتي: “يهدف المقرّر إلى امتلاك الطالب معرفة بمنهج التحليل النفسي للأدب، وما يتيحه من كشوفات خاصة بالأعمال الأدبية ومؤلفيها، وإلى أتقانه مقاربة هذه الأعمال بناء على ذلك”.
ولذا، جاء هذا الكتاب ليلبي حاجات الطلاب والدارسين في الجامعة اللبنانية خصوصا، والجامعات العربية والعالمية والدارسين والنقاد عموما؛ ولا سيما أنه يتناول قضايا جوهرية تتعلق بالتحليل النفسي للأدب من الناحيتين النظرية والتطبيقية، مقدما اتجاهات ومناهج ودراسات جمة في الميدان النفسي…
ويعرض هذا الكتاب لمجالات علم نفس الأدب التي تتحرك نحو دراسة نفسية للمبدع، وعملية الإبداع المنتجة للنص، وكذلك دراسة العلاقات والبُنى التي تؤسس النص، وسيكولوجية الأدب التي تطال بالدراسة حتى الأثر الافتراضي على جمهور المتلقين في ما يعرف بـ”سيكولوجية الجمهور”…
والواقع أن الأدب أصلح الميادين الفكرية لإظهار العلاقة الوثيقة بينه وبين علم النفس؛ لأنه نتاج اللاشعور قبل أن يكون حصيلة الوعي والإدراك. سئل رائد التحليل النفسي فرويد عن الأساتذة الذين أثروا في تكوينه؛ فكان جوابه إشارة من يده نحو مكتبته؛ حيث اصطفت روائع الكتب العالمية . والحق أن الأعلام الذين ورد ذكرهم في كتاباته، دليل واضح على سعة مطالعاته الأدبية، وإفادته من تراث البشرية. فجواب فرويد السابق، دليل على الصلة الوثيقة بين الآداب والفنون من جهة، وعلم النفس من جهة أخرى؛ نظرا إلى أن الشعراء هم “علماء النفس الأوائل الذين سهلوا لمن جاء بعدهم من علماء العصور الحديثة، اكتشاف أقانيم النفس العميقة…”؛ ولذا، رأينا فرويد يشيد بأولئك العارفين الضليعين بالنفس الإنسانية الذين اعتدنا تكريمهم “باسم الشعراء”…
واستطاع فرويد أن يثبت من خلال “غراديفا” أن الأحلام التي يخترعها الكاتب، تخضع للتفسير نفسه الذي تخضع له الأحلام الحقيقية؛ فالأحلام المتخيلة هي أيضا وسيلة اللاشعور لتحقيق ذاته على صعيد الشعور ..
ففي نظر فرويد، تسقط مسرحيات القدامى عقدا ومآزم جمة، وتجسد موضوعات طالما استوطنت مخيلة البشرية؛ وقد أبدى فرويد بشأن هاملت بعض الآراء التي فتحت أمام تلميذه جونز آفاقا واسعة لتحليل شكسبير بأسلوب، جديد يوضح للمرة الأولى حوافز الكاتب الحقيقية لتأليف هذه المسرحية…
والحق أن هذا الكتاب يتناول تلك القضايا…كما تراعي موضوعاته “التوصيف” الأكاديمي “الحديث” لمادة علم النفس الأدبي … فتشمل:
-مقدمات في علم النفس التحليلي وعلاقته بالفنون عموماً وبالأدب خصوصاً.
-المساهمات الفرويدية الأولى…
-الاتجاهين الغالبين في التحليل النفسي للأدب: الساعي إلى تبيان الوضع النفسي للمؤلف وعلاقته بأعماله الأدبية، والمقتصر على دراسة المعطيات النفسية في الأعمال الأدبية وعالمها الداخلي… فضلا عن اتجاهات ومناهج أخرى…
-اتجاهات ومدارس متفرّقة…
-علاقة علم النفس الأدبي بعلوم لسانية: الأسلوبية والبلاغة وعلم الدلالة… وإنسانية: علم الاجتماع وعلم الأناسة… وبالنقد الأسطوري وعلم الاجتماع الأدبي..
-دراسات إبداعية متنوعة قديمة وحديثة….
وبناء على ذلك، تندرج موضوعات الكتاب ضمن ستة فصول بعد المقدمة؛ الفصل الأول، بعنوان: “علاقة علم النفس بالفن عموما وبالأدب خصوصا”، يتناول جذور تلك العلاقة، ومفهوم التطهير، والإبداع الفني من منظور علم النفس، والرموز الجنسية التي قد يلجأ إليها الدارسون في التحليل، والعلاقة بين الحلم والشعر، وبذور عملية الإبداع الفني، والإبداع والجنون، ومتعة القراءة…
ويتطرق الفصل الثاني إلى مدرسة التحليل النفسي؛ ولا سيما نظرية فرويد، وعلاقة الإبداع الأدبي بعلم النفس عند فرويد، فضلا عن ركائز التحليل النفسي، وظاهرة الكبت… ثم نعرض نظرية أدلر وطروحاتة المتعلقة بالشعور بالدونية.. وأثر ذلك في الفن، وبعد ذلك، نتحدث عن يونغ ولا سيما في “لاشعوره الجماعي”، والأنماط الأولية… فضلا عن آراء شارل بودوان ومورون، ورايش في ثورته الجنسية… ناهيك عن ظواهر نفسية مهمة في التحليل النفسي؛ كالهفوات والنسيان وزلات اللسان…
ويركز الفصل الثالث على مساهمات فرويد في التحليل النفسي، فضلا عن “الفرويدية الحديثة”، ومساهمات أشهر أعلامها… أما الفصل الرابع، بعنوان: “اتجاهات التحليل النفسي للأدب والنقد النفسي”، ففيه عرض للاتجاهات “الداخلية والخارجية” الغالبة على الدراسات السيكولوجية للأدب، فضلا عن المناهج أو (المناحي) التي اتبعها المحللون العرب، ولا سيما الرواد منهم… في حين، جاء الفصل الخامس تحت عنوان: “منهج التحليل النفسي”،… وفيه تعريف “المنهج”، وتركيز على ما يسمى المنهج الانتقائي النفسي، الخطوات المنهجية عند بعض أتباعه، فضلا عن علاقة علم النفس الأدبي بالعلاقات الأسرية والطفولة، ونماذج تطبيقية في التحليل النفسي للأدب مستقاة من الغزل بالمذكر عند تاج الملوك بوري… ويتطرق الفصل السادس (الأخير)، إلى علاقة علم النفس الأدبي بعلوم إنسانية ولسانية والنقد الأسطوري وعلم النفس الأدبي، مدعما بتحليل قصيدة للملك الأمجد بهرام شاه الأيوبي، وفق “المنهج” السيكو-بنيوي… ويختتم الكتاب بعرض الاعتراضات التي يلقاها التحليل النفسي للأدب، والردود عليها…
يبقى أن نشير إلى أن الدراسة النفسية للأدب، أصبحت منهجا مألوفا في الغرب بعد اكتشاف التحليل النفسي؛ يكفي أن نذكر الفرويديين؛ لأنهم الأكثر إنتاجا في هذا المجال؛ أولهم فرويد وأبحاثه عن ليوناردو دافنشي… غير أن هذه الدراسات لا تزال ناشئة في اللغة العربية، على الرغم من وجود دراسات مهمة يتطرق إليها هذا الكتاب…
فصحيح أن تلك الدراسات كانت تصحبها دائما موجة من الاستنكار والتأييد… بيد أنها تثبت، من ناحية أخرى، أنَّ لعلم النفس واحة فسيحة مفتوحة تشمل كل مناحي الإبداع، ولاسيما الأدب؛ ولذا، يمكن القول: إن لعلم نفس الأدب مجالاً خصباً… لأنَّ الأدب له من التداخلات النفسيّة في بواطن النفس الإنسانية، ربما أكثر بكثير من العوالم الإبداعية الأخرى… ولذلك، من خلال التحليل النفسي العميق، نستطيع أن نصل إلى أعماق المبدع، خصوصا إذا كانت دراساتنا قائمة على أسس موضوعية دقيقة وتحليلات عميقة…