السبت , فبراير 22 2025
الرئيسية / الأدب المنتفض / بلسمة جراح أطفال اللجوء الفلسطيني في مجموعة “أحلام طفلة لاجئة” للأستاذ د. أنور الموسى

بلسمة جراح أطفال اللجوء الفلسطيني في مجموعة “أحلام طفلة لاجئة” للأستاذ د. أنور الموسى

حاورته الأستاذة سهامه محمد مجلسي

(صحفية في صحيفة الوفاق)

أدب اطفال اللجوء الفلسطيني واللبناني في وجدان الكاتب البروفيسور أنور الموسى

“أحلام طفلة لاجئة”، مجموعة قصصية جديدة للأطفال للأستاذ الدكتور أنور الموسى، وهي مجموعة صادرة عن دار المواسم بلبنان، تحاكي واقع اللجوء العربي، ولا سيما الفلسطيني واللبناني، موجهة رسائل جمة للعناية النفسية والإنسانية بطفل اللجوء والنزوح كونه الضحية الأولى للمجازر والانتهاكات الصهيونية الفاضحة بحق الأطفال.


لقد نوع أديب الأطفال أنور الموسى في قصصه التي تربو على المئة، فمنها الخيالي ومنها الواقعي والإنساني والخرافي والكاريكاتوري والعلمي والأسطوري، بيد أن ما يجمع بينها جميعا في المجموعة المذكورة عناصر التشويق والخيال وزرع بذور القيم والمحبة والحرية والمساواة ونبذ التعصب والعنصرية… وكأنه يوجه رسالة إلى العالم مفادها: احضنوا أطفال اللجوء، بلسموا جراحهم، خففوا اوجاعهم وآلامهم، لا تتنمروا عليهم؛ لأن متنمر اليوم قد يصبح لاجئ الغد.

قصصه تستأهل الدراسة كونها تتسم بالنضج الفكري، وتحليل نفسي لطبائع الشخصيات، بحيث تتغلغل الدروس الأخلاقية في كل مشهد ونص.
حول هذه المجموعة الجميلة كان لنا مع المؤلف د. أنور الموسى هذا اللقاء…

١-لماذا تركز في مجموعتك القصصية هذه على طفل اللجوء؟ ومن هم أطفال اللجوء الذين توجه لهم بوصلتك تحديدا؟ ولماذا…؟

أطفال اللجوء والنزوح سواء من فلسطين أو لبنان أو سوريا أو العراق… هم ضحايا حروب، وكوني أديبا ملتزما، أنحاز دوما للمظلومين والضعفاء.. فهل من قضية أسمى من براءة الطفولة ولا سيما حينما تعذب وتنتهك حقوقها في فلسطين ولبنان تحديدا؟
فضلا عن أن طفل غزة للأسف تعرض ويتعرض اليوم لإبادة جماعية، فمن حقه علينا توثيق قصص استشهاده وفقده أهله وحضن بيته ووطنه… فأنا أوجه من خلال قصة واحدة رسالة إلى كل متخاذل ومتعامي عن حقوق الطفل اللاجئ، مفادها أن صمتك جريمة بل مشاركة في المجازر.
ناهيك بأن مشاهد الإبادة الصهيونية التي تكاد لا تحصى، ترفد مخيلة الأديب بصور لا حصر لها تتيح له الكتابة، وهنا أقول إن الصمت جريمة، ومن الناحية الإنسانية لا بد لنا من التوثيق أو الاستعانة بالأدب والخيال لرفض الظلم.

٢-ما هي عناصر التشويق التي لجأت إليها كي تصل إلى الطفل؟
راعيت عدة معايير، وكلها تفيد عنصر التشويق وتجذب اهتمام الطفل، منها الالتزام بتقنيات السرد، والتلوين الأسلوبي والتسلسل السلس للأحداث، والانتقال من العقدة إلى الحل ببراعة، والاهتمام بالعناوين والمقدمات كونها تعد سنارة لجذب انتباه المتلقي وفكر القارئ، ناهيك بمراعاة المراحل العمرية في اللغة واستخدام الخيال والجمل وحجم النصوص…
وبما أن مشاهد الإبادة واللجوء قاسية على الصغار وحتى الكبار، كان لا بد من احترام خصوصية الطفل، ومراعاة هواجسه وقلقه وآلامه، وهنا نقع في اشكالية، هل نهرب الى الخيال حتى نراعي الواقع المؤلم أو العكس؟ فكان الخيار أن أنتبه لهذه الإشكالية وحلها في ضوء واقع الطفل وخياله ومتطلباته… فضلا عن اللجوء أحيانا إلى القصة الخرافية ذات المغزى الهادف… أو الاستعانة بشخصيات تاريخية وتراثية تشبه كثيرا شخصيات الواقع الحالي. ولجأت أحيانا إلى شخصيات محببة للطفولة حتى لا أكون قاسيا على الطفل نفسه.

٢ـلوحظ اهتمامك بأدب طفل مواجه لإسرائيل في مجموعتك… فسر لنا ذلك وبواعثه.

نعم، يعد هذا الموضوع من أولوياتي، لقد أعددت مؤخرا بحثا مدعوما من الجامعة اللبنانية بعنوان: “وظائف ادب الأطفال المواجه لإسرائيل في ظل الإشكاليات التربوية”؛ فالصهاينة يهتمون بأدب الأطفال الزائف الذي يحرض الطفل على كرهنا وإبادتنا… فلماذا لا نرد على مخططه؟ فمجموعتي مثلا تكسر الحدود المصطنعة بين طفل لبنان وفلسطين، وتعرف الطفل بطريق غير مباشر من هو عدو الطفولة وماذا يصنع في غزة ولبنان…
وألفت أيضا كتابا موسوعيا بعنوان أدب الأطفال فن المستقبل، فضلا عن مجموعات قصصية أخرى.
في الواقع، أطفالنا يعانون كثيرا من الحرمان والظلم، ولا سيما أطفال الحروب.. وهم يحتاجون إلى أدب طفل هادف يخفف من أزماتهم النفسية واضطراباتهم وقلقهم وحزنهم… وبما أن لأدب الطفل وظائف توعوية وتربوية وعلاجية ونفسية… لذا، فإن الدواء الملائم لكل تلك الصدمات هو أدب الطفل ولا سيما القصص الساحرة الموجهة للأطفال.

٣ـلماذا أحلام طفلة لاجئة لا طفل لاجئ…؟ وهل تقصد التمييز بين الأطفال؟
الأطفال الذكور كالإناث يتعرضون للمجازر والظلم والاضطهاد.. فلم أهمل في مجموعتي الجنسين، لكن للطفلة أحلاما ربما تتجاوز أحلام الطفل، ولها خصوصية ما في مجتمعاتنا.. خصوصا تلك التي تغتصب أو تبتر أعضاؤها بسبب حرب غزة أو لبنان… ففي مجتمعاتنا للطفلة خصوصية معينة.. ومع ذلك فهي التي ستكبر وستربي أجيالا وشهداء في درب التحرير.. إنها الطفلة مربية الغد وأم الحياة وموجهة الأحرار…ولعل هذا ما تثبته حرب غزة ولبنان.
يدعي الغرب أنه ينصف المرأة، ولكن ماذا عن أنثى فلسطين التي تحمل صبرا فاق صبر أيوب…؟ إنها صابرة محتسبة شهيدة نازحة تغطس في الماء شتاء، تجوع مرارا، تبكي أطفالها الذين يموتون جوعاً أو بردا أو إبادة… فعلا مشاهد قاسية تعانيها المرأة والطفلة.. فلم لا ننصفها وننصف من خلالها الأب والابن والجد…؟
أكرر مجموعتي مخصصة للجنسين.. رمزي البراءة والحياة…

٤-ما أهدافك من مجموعتك السابقة…؟
هدفي أن نوجه أقلامنا للأطفال، لأنهم أمل المستقبل، فضلا عن فضح الانتهاكات الإسرائيلية كوني أعد الأدب وثيقة قانونية تخلدها الأجيال.
هدفي أن أموت وقد تركت أثرا للأجيال المقبلة، ولا سيما الأطفال.. هدفي الصراخ في وجه الظلم والاحتلال.. لا أقصد شهرة ولا مال.. بل هدفي تحقيق الحرية والنصر ومحاربة الفساد الداخلي والعدو الخارجي… حتى يفتخر بي أطفالي، وأكون قدوة لهم.
هدفي أن لا أكون شاهد زور في ما يتعلق بقضية أطفال اللجوء، كون أؤمن بأن الصمت جريمة أو ذل وهوان وهرب من معركة الحرية. فنحن سنموت عاجلا أم آجلا، لكن أثرنا يبقى.
تخيلي ماذا يفعل أدباء الأطفال الصهاينة، إنهم يرسخون في ذهن الطفل الصهيوني بذور الكراهية والعنصرية والقتل واحتقار الآخر.. ولذا من حقنا نحن في المقابل إظهار وجههم الحقيقي ضمن أدب حقيقي للأطفال، ينبذ الإبادة والمجازر والاحتلال الصهيوني، ورفض التطبيع المخزي والاستسلام المقيت.

٥-هل تهتم دور النشر بقصص أطفال فلسطين وضحاياهم..؟
للأسف لا إجمالا ، كون غالبية دور النشر تبغي الربح، وعلى ما يبدو ترى تلك الدور أن قضية فلسطين خاسرة.. كما أن الجوائز والمهرجانات تغيب أقلامنا.. ومع ذلك فأنا أكتب لأترك بصمة قبل موتي قد تنطبع في قلوب أطفال التحرير والثورة في وقت ما، متمنيا أن تقرأ قصصي في القدس وقد تحررت.
جل مجموعاتي القصصية طبعت على نفقتي، مع أني أحتاج الى كل مبلغ أنفقته على الكتب، لكن التضحية بالمال لا تعد شيئا أمام دماء الأطفال مستقبل الحرية والحياة.

٦-من ألهمك في تأليف قصصك…؟
تلهمني ضميري ووجداني وقلمي الملتزم وعشقي لفلسطين، وتعاطفي اللامحدود مع أطفال اللجوء ولا سيما أطفال غزة وفلسطين.
ألهمني ضميري قبل كل شيء، فنحن كنا أطفال حرمان، وعشنا الظلم والتنكيل والفقر، فمن الأجدى أن يشعر المظلوم مع أترابه وأبنائه…
وكوني تيقنت بأن أدب الأطفال هو فيتامين الطفولة، من خلال دراساتي وتدريسي هذه المادة في الجامعات… كان لا بد من اللجوء إلى الجانب التطبيقي الإبداعي، والكتابة في فن القصص… لأغمس قلمي في فردوس الطفولة وعالمها الجميل.

٧-لماذا غابت الصور من المجموعة؟ وما فكرة اختيار الغلاف؟
من الطبيعي غياب الصور، كونها تحتاج إلى عدد ضخم من الصفحات، وليس بمقدوري دفع ثمنها… لكني استعضت عنها بعناصر التشويق والغلاف اللافت… ناهيك بأني أتوجه إلى مرحلة الطفولة المتوسطة، حيث يمكن فيها الاستغناء عن الرسوم والصور…
فكرة الغلاف مستقاة من صورة شبيهة بصورة ابنتي نورما وهي تنظر إلى فردوس جميل وسلام وأمان وجمال.

٨-ما دعوتك إلى أدباء الأطفال…؟
أدعو زملائي الكتاب إلى الكتابة للأطفال الذين يصارعون للبقاء على الحياة في فلسطين، واللاجئين بصورة عامة.. فليحكموا ضمائرهم بدل سعيهم إلى الشهرة والربح. فلسطين قضية رابحة لأنها رمز الضمير.
وأدعو أيضا المؤسسات التربوية في العالم العربي إلى رسم سياسة أدب طفل مواجه للصهيونية، لأنهم باهتمامهم بهذا الكنز، يحافظون على مستقبلهم ودولهم وقيمهم.

٩-هل لديك مجموعات أخرى؟ وما علاقتها بأحلام طفلة لاجئة؟
لدية مجموعة كبيرة بعنوان: قصص أنور وجده الضرير ووجدنا الكنوز… والإنترنت وحكاية الجدة.. ما يجمع بينها محاربة الصهيونية والفساد في بلداننا، كوننا نعاني من هذين العدوين.. والهدف ان يحيا أطفالنا في عالم صاف خال من هاتين الجرثومتين.

١٠-هل تهتم المؤسسات التربوية بأدب الطفل؟
الاهتمام حتى الآن ليس كما نأمل في دولنا، لأسباب يطول شرحها، لكن هذا الكنز متى استثمر في التدريس والجامعات يحررنا من التخلف والتبعية والاحتلال والاستعمار والفساد والمرض… إنه العصا السحرية التي تفتح كنوز خيال الطفل كما قلت في كتابي أدب الأطفال فن المستقبل.

١١-ما حلمك وكلمتك الأخيرة؟
حلمي أن اقرأ قصصي أمام أطفالي اللاجئين في القدس وكل فلسطين، وأن أقود مؤسسة تربوية تحت عنوان: “فنون الكتابة للأطفال”.