بقلم د. رلى فرحات
بلدة ميس الجبل، الواقعة في الجنوب اللبناني على الحدود مع فلسطين المحتلة، تُعد نموذجًا مشرفًا للمقاومة والصمود في وجه العدو الصهيوني وغيره من التحديات التاريخية التي واجهتها. تعكس بطولات هذه البلدة الإرادة الصلبة والتفاني في الدفاع عن الأرض والكرامة، ما يجعلها عنوانًا للمقاومة اللبنانية.
ميس الجبل كانت دائمًا في خط المواجهة الأول مع العدو الصهيوني. أهالي البلدة لم يستسلموا للضغوط والاعتداءات المتكررة من العدو الصهيوني، الذي كان يستهدف الأراضي والمزارعين، بل أثبتوا شجاعة نادرة في الدفاع عن أراضيهم. حرب تموز 2006 كانت أبرز محطات الصمود، حيث لعبت البلدة وأبناؤها دورًا محوريًا في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
كذلك تعرضت بلدة ميس الجبل لإعتداءات متكررة ومستمرة خلال عامي 2023 و 2024 من قبل العدو الصهيوني، ضمن سياق تصعيد أوسع في المنطقة، ما أدى إلى إرتقاء شهداء وجرحى في صفوف المدنيين، بمن فيهم عناصر من الدفاع المدني. تسببت هذه الهجمات بأضرار مادية كبيرة، حيث تم تدمير عدة منازل ومبانٍ سكنية وتجارية بالإضافة إلى الأماكن الأثرية وأذكر ديوان آل فرحات الذي بني منذ أكثر من 300 سنة وقد شكل محطة إستضافة للمسافرين من وإلى فلسطين. بالإضافة إلى منزل العائلة الذي يفوق عنره ال 100 سنة ولا أدري إن كانت قد تضررت قلعة دوبيه الأثرية في هذا العدلن الغاشم، ناهيك عن مقام النبي بنيامين (شقيق النبي يوسف) عليهما السلام والأضرار التي لحقت به.
كما استخدم العدو الصهيوني قذائف فوسفورية في هجمات استهدفت المناطق السكنية والزراعية، مما أدى إلى اشتعال الحرائق وتسبب بخسائر مادية جسيمة. بالإضافة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة مع نزوح آلاف المدنيين.
واليوم وبعد سريان وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، لا يزال أبناؤها عاجزين عن العودة لتفقد أرزاقهم وديارهم وأراضيهم وحتى مدافن أحبائهم وأعزائهم، لأن العدو الغاشم يطلق النار بإتجاههم ويمنعهم من الوصول…
من ناحية ثانية، لطالما كانت ميس الجبل ولم تزل وستبقى حاضنة للمقاومة. فقد لعب سكانها دورًا رئيسيًا في دعم المقاومين وتوفير الحماية لهم، سواء من خلال التضامن الشعبي أو من خلال المشاركة الفعلية في العمليات العسكرية والدفاعية. كما ساهمت في تعزيز قوة المقاومة من خلال صمودها رغم القصف والدمار.
ولم تقتصر البطولات على الرجال، بل كانت للنساء في ميس الجبل دور بارز. فقد قدّمن الدعم المعنوي والمادي، وشاركن في مواجهة تبعات الاحتلال من خلال الحفاظ على الأسرة والمجتمع، وتأمين سبل الصمود رغم الظروف القاسية.
رغم كل هذه التحديات، فإن ميس الجبل مثالاً حيًا للكرامة الوطنية والوفاء للأرض. يُنظر إليها اليوم كرمز من رموز الصمود اللبناني، وهي تواصل أداء دورها كمجتمع موحد لا تهزه رياح العواصف السياسية أو الأمنية. إذ يؤمن أبناؤه أن التمسك بالأرض هو مفتاح الكرامة الوطنية، والوحدة والتكاتف بينهم هي أساس الصمود.
وعليه، فإن المقاومة ليست سلاحًا فقط، بل هي ثقافة يومية في مواجهة المحتل والتحديات.
ميس الجبل ستبقى دائمًا شاهدة على أن الشعوب الحرة قادرة على هزيمة أعتى قوى الشر التي فاقت النازية إجراما وكفرا عندما تؤمن بالقضية وتمتلك الإرادة الصلبة وحب الحياة.
رُلى فرحات