حُسن الضيافة
بقلم الأستاذ الصحفي باسل عادل رحّال
تقول الأسطورة الشعبية أن خالد علوان كان منزعجًا من رؤية الضابط الإسرائيلي يصر على دفع فاتورته في ويمبي بالشيكل.
فأبى علوان إلا أن يدفع الحساب ليريهم حسن الضيافة على أصوله
عملية الويمبي
من مقال كاترين ضاهر لموقع المدار الذي نشر عام ٢٠٢١:
تلك العملية جسّدها الصحافي والمسرحي يحيى جابر، في فيلم “ناجي العلي”، إخراج عاطف الطيّب، متقمصاً دور منفذها خالد علوان، الذي لقن جنود الاحتلال “حُسن الضيافة”، ومازالت عبارته تتردد على مسامعنا بصوت جابر: “ولو، كيف بتدفعوا وأنتو ضيوفنا!! الحساب عندي”، مصحوبة بصوت طلقات رصاص مسدسه.
ومنذ 39 عاماً، بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر 1982، جلس في مقهى “الويمبي” وسط شارع منطقة الحمرا ضابط وجنديان إسرائيليان على إحدى الطاولات الموضوعة على الرصيف خارج المقهى، على زاوية تقاطع شارعي الحمرا وعبد العزيز، وكانت بالقرب منهما عربة عسكرية من نوع “جيب”… حينها دخل خالد علوان، وهو من الحزب السوري القومي الاجتماعي، إلى المقهى المعروف بين صفوف المثقفين والسياح في شارع الحمرا في بيروت، عاصمة الصمود والمقاومة، وحسم الجدال الحاصل بين النادل الذي أصرّ على رفض تقاضي حساب المشروبات من أحد الجنود الصهاينة إلّا بالليرة اللبنانية، فبادر الجندي إلى سحب عملة “الشيكل” من جعبته باستهزاء؛ حينها اقترب علوان وقال لجنود الاحتلال: … خلّوا الحساب علينا.
وتناقلت وكالات الأخبار ووسائل الإعلام حينها ما يلي: “توقفت سيارة إلى يمين الشارع، ونزل منها شاب أخذ يقترب نحو المقهى، فيما بقي رفيقان له داخل السيارة التي ظل محركها يعمل. وما لبث أن اقترب الشاب على مهل وأشهر مسدساً موجهاً الطلقة الأولى إلى رأس الضابط، ثم الثانية إلى صدر أحد الجنديين والثالثة إلى عنق الآخر… بعد ذلك عاد إلى السيارة التي انطلقت مسرعة في الشارع، كما روى شهود عيان”.
فيديو زيارة هوكشتاين لستاربكس بيروت يثير جدلًا
أثار مقطع فيديو للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين داخل مقهى ستاربكس في بيروت جدلًا واسعًا، بعد أن أظهر تهافت البعض لالتقاط الصور معه، فيما بادرت سيدة بالقول: “خلي الحساب علينا، أنت ضيف عنا”.
عبارة تظن أنها لطيفة، ولكنها في الحقيقة طعنة لكل لبناني يحمل في داخله ذرة كرامة.
يا لها من مفارقة، ويا لها من صفعة للتاريخ. خالد علوان قالها بدمه، أما هي فقالتها لتُهين كل دماء المقاومين التي سالت دفاعًا عن الأرض. خالد جعل من عبارته طلقات في وجه الاحتلال، بينما جعلتها هي نغمة انحناء أمام غطرسة عدونا.
أي عبث هذا؟ وهل يدرك من يزعمون الكرم أنهم أهانوا ذاكرة شعب بأكمله؟ أن العبارة التي كانت إعلانًا للمقاومة تحولت على لسانها إلى بطاقة عبور للذل؟
حين قال خالد علوان “خلي الحساب علينا”، حمل مسدسه ومضى ليحرر بيروت من الدنس. لم يقدم كوب قهوة ولا عبارات مجاملة. كانت كلماته رسالة واضحة: “لا مكان لكم هنا، بيروت لنا،لبنان لنا”. أما هذه السيدة، فقد حولت العبارة إلى فعل خنوع، وكأنها تقول: “أهلاً بك، فأنت سيد ونحن ضيوف على وطننا”.
أي مهزلة هذه التي نعيشها؟ هل أصبحنا نخجل من تاريخنا ونستبدله بمظاهر “التمدن” المزيفة؟ كيف نتوقع أن يحترمنا العالم ونحن نقدم كرم الضيافة لمن يحاول. إحتلال أرضنا و يقتل أهلنا!
حين دفع خالد “حسابهم” لم يكن يطلب شكرًا ولا تصفيقًا. كان يخاطب المحتل بلغة الرصاص: “بيروت ليست للبيع، حسابكم معنا، وحسابكم رصاص”. أما هذه السيدة، فقد اختارت أن تكون شاهدة زور على مأساة وطنها، تُقدّم كرمًا لعدونا.
أيتها السيدة، لو علمتِ أن خالد علوان دفع الحساب بدمه، لما بعتِ عبارته بكوب قهوة. لو أدركتِ أن “خلي الحساب علينا” ليست جملة عابرة بل شرفٌ يُكتب في دفاتر المجد، لما اختصرتِ تاريخ المقاومة في مشهد ذليل يُثير سخط الأحرار.
اليوم، نقف بين خالد علوان الذي أعطى بيروت كبرياءها، وبين سيدة نزعته عنها في لحظة خنوع. الأول جعل من عبارته أيقونة تُخلّد، والثانية جعلتها عنوانًا للذل.
ختامًا، حُسن ضيافة” خالد علوان لا يشبه أبدًا “حُسن ضيافة” هذه السيدة. الأولى تُكتب في كتب الشرف والمقاومة، أما الثانية، فهي مجرد سطر في كتاب المذلة والنسيان.
لكن لبنان لا ينسى، وبيروت تعرف أبناءها جيدًا. سيبقى صدى رصاص خالد علوان يصدح في شوارعها، بينما ستُدفن مجاملة السيدة في ظلال العار.
باسل عادل رحّال