الوطن يكشف أوراقه الأخيرة الآن!
2020-01-21
قصة وسرد
309 زيارة
بقلم الكاتبة مهى هسي
وأنا في الطريق نزولاً إلى ساحة التظاهر، تفرقت جموع المشجعين التي حضرت لمشاهدة المباراة على الشاشة الكبيرة الى جانب مبنى الإذاعة، عبرت الطريق باتجاه موقف سيارات الأجرة ووقفت بين المنتظرين، الوجوه عادية، نصف خائبة، لا بأس هم أقل حزناً مما توقعت. مرّ بجانبي شابٌّ يرتدي ثوباً طويلاً، اخذني مظهره إلى تخيل بيئته واستغراب لباسه والشرود فيه، لاحظت وهو في مواجهتي تماماً انه بعد ان أراد عبور الطريق عاد ومد لي يديه يناولني علماً، علم ابيض واحمر من الساتان مصنوع بعناية ومطبوع عليه ارزة خضراء، قال لي “مبروك عليك”، لم اعرف ماذا افعل، هل أقول له لا اريده، وهو شعوري الحقيقي، او ما حاجتي اليه؟ هل آخذ شيئاً من غريب -وإن كان علماً- ولكن هل لي ان أخرّب عليه لحظته التي لم افهم دواعيها، سألني عن محطة سيارات الأجرة ، كان ذاهباً إلى مكان بعيد إذاً، ربما لم يرد حمل دليل فادح على الحدث الذي عاد منه، ربما شعر بأنه يثأر لخيبته التي قطع لأجلها مسافة طويلة، فكرت لحظتها بسعر العلم-القماشة، سعره بالليرات، لا شيء رخيص هنا كما يعلم الجميع، ربما كان ثمنه مساوياً لثمن وجبة غداء أو ثمن جورب سميك مثلاً، اخذته منه، وحملته بيدي مطوياً لدقائق بينما تسير اعلام كثيرة في الأيدي بمحاذاة الخصر، بين المارة المنتشرين حول المبنى والساحة وال “I ❤ BEIRUT” المنتصبة في الوسط، شعرت ان علمي اثقل من اعلامهم، لففته وحشرته في الحقيبة، وفتحت عيني على هجوم السيارات والسرافيس نحو الساحة وهجوم الناس نحوهم. وتذكرت رزمة اوراق الخمسينات “الجديدة” التي جمعها لي خالي في دكانه، وزفها لي كهدية عظيمة كوني اخبرته عن حرب السبعينات في العاصمة، تذكرت أنني لا ادفع خمسين ألف ليرة في طريق العودة، ادفع مئة، أجرة ذهاب وإياب، لكن توقف امامي سرفيس بهدوء ووجدت المقعد قرب السائق خالياً فقفزت إليه، وبينما أفسحت مكاناً لشاب صعد وهو يعد امواله في جيبه، وربما يفكر بشراء وجبة غداء، اعطيت السائق ورقة خمسين ألف ليرة “جديدة” كأنها خارجة للتو من المعمل، فابتهج ابتهاجاً عظيماً، وعرفت بفخر أنني كنت الراكبة المفضلة لديه لهذا اليوم، فقد أبدى استهجانه وسألني “معك معك غيرن؟”، فأجبته “لأ”.. وقلت لنفسي “من كل عقلك؟ مش لهالدرجة!”….
أعتقد أن الوطن يكشف أوراقه الأخيرة الآن… أو تُكشَف له!