الأحد , فبراير 23 2025
الرئيسية / ابحاث ودراسات عليا / التناص الديني في الأدب العربي المعاصر شعر حرب تموز أنموذجا

التناص الديني في الأدب العربي المعاصر شعر حرب تموز أنموذجا

 

بقلم ر. خزعلي

مجلة العلوم الانسانية عدد ١٦

iem. Modares. ir

الأدب اللبناني مكانة خاصة و مرموقة في الآداب بين البلدان العربية لأسباب مختلفة و منها موقعيته الجغرافية، و اتصاله بالحضارات المختلفة، وخلفيته التي تنبي بنشوء كثير من الثقافات و التيارات الأدبية فيه، وهذه الأسباب تؤكد على دور لبنان الهام في انتشار الأنواع الأدبية وخاصة أدب المقاومة الذي اشتبكت ساحة لبنان الجنوبية به بين حين و آخر.
إنّ انتصار المقاومة في حرب تموز أصبغ الشعر المقاوم صبغة دينية بالتناص المباشر و غير المباشر و بما استدعاه شاعر المقاومة من النصوص الدينية و التاريخ الديني فوظفهما الشاعر في الأشكال المختلفة توظيفاً مرافقاً بالحس الأسطوري و الفني، و تم الربط في هذه الأشعار بين الحاضر و الغائب بحيث يلمس القاری للشعر المقاوم الجنوبي بروز ظاهرة التناص الدينی بجلاء و يلفته كبر المساحات التي تشغلها هذه الأثار. وهذا البحث يسعی إلی الكشف عن قدرة الشعر المقاوم علی إعادة تشكيل ما استوحاه من النصوص الغائبة في صور جديدة.
أماالمنهج المتبع فهو المنهج التوصيفي – التحليلي الذي يقوم علی استحضار التناص في آثار و دواوين شعراء الجنوب و من ثم بيان دوره في أداء المعنی من الناحية الفنية و الموضوعية.

الكلمات الرئيسية: التناص، المقاومة، المأثور الديني، التاريخ الديني

المقدمة
للأدب اللبناني مكانة خاصة و مرموقة في الآداب بين البلدان العربية لأسباب مختلفة منها موقعيته الجغرافية، و اتصاله بالحضارات المختلفة وخلفيته التي تنبي بنشوء كثير من الثقافات و التيارات الأدبية فيه وهذه الأسباب تؤكد على دور لبنان الهام في انتشار الأنواع الأدبية والمضامين المستعملة فيها وهي نفسها تبين مدى أهمية هذا الأدب و ضرورة دراسته في مختلف الميادين و خاصة الأدب الحديث وبشكل أخص أدب المقاومة الذي اشتبكت ساحة لبنان الجنوبية به بين حين و آخر.
فالدراسة هذه تتطرق إلى أدب أحدث مقاومة جنوبية في الحرب التي شنتها اسرائيل على لبنان في تموز 2006 وتبحث عن الآثار المنشودة حين الحرب و بعدها والموضوع هذا غير مطروق من قبل الباحثين و النقاد (على حد استقصائي) ولعل السبب يرجع إلى حداثة المسألة وقلة الأشعار المدونة المجموعة المطبوعة في متناول يد الباحثين.
لاتنكر الكتابات الكثيرة حول أدب المقاومة بشكل عام أو في الأحداث الماضية، و الحروب السالفة بعد احتلال اسرائيل لفلسطين إلى عصرنا الراهن إلا أن المقاومة الجنوبية الأخيرة تتمتع بميزة لا يتمتع بها غيرها من المقاومات في السنوات الماضية وهي لونها الديني و طابعها الإسلامي البارز اللذان يفرضان الدراسة حولها ويرمزان إلى نصرتها وهذه الظاهرة غير مدروسة أو قلما عني به الباحثون.
فجديرة هذه المقاومة و ثقافتها بأن تدرس و تحلل و يكتب حولها، و من أحسن الآثار التي يمكن الرجوع إليها هي الإنتاجات الثقافية الموجودة، إما ماكتب أثناء الحرب، أو ما وصل إلينا بعدها والشعر بما فيه من الأحاسيس و المشاعر المتدفقة يستطيع أن يبدی لنا حقيقة المعتقد و شدة التماسك بفكر ما و يرينا الخلفية الثقافية التي يستمتع بها الشاعر في هذه المعركة فالدراسة هذه تعالج أشعار الشعراء اللبنانيين من الجنوبيين و غيرهم و من كافة الانتماءات و المذاهب، الشيعة أو السنة أو المسيحية الذين دخلوا هذا المضمار و أنشدوا و لو قصيدة واحدة نبحثها من حيث توظيف النصوص أو الحوادث و الشخصيات و الأماكن الدينية المذكورة فيها بشكل مباشرأو غير مباشر.
فالمسألة في هذه الدراسة هي الكشف عن تأثر شعر حرب تموز بالتراث الديني بأشكاله المختلفة كالآيات والروايات، والتاريخ، و الشخصيات، والشعائر، أو الشعارات التي تمت إلى الدين بصلة، وبالتالي البحث عن مدى توفيق الشاعر في استعمال التناص فنياً.
المنهج المتبع توصيفي – تحليلي يقوم على استحضار التناص في آثار و دواوين شعراء الجنوب ومن ثم بيان دوره في أداء المعنى المرمى إليه، واستفاد البحث من الأشعار المجموعة التي طبعت في الأيام الأخيرة كمجموعة علي عباس، عمر الفراء، غسان مطر، موسى بسام، قدسي العاملي و نعيم تلحوق.

بيئة لبنان الأدبية
شكل لبنان منذ بداية عصر النهضة وصولاً إلی وقتنا الراهن بيئة أدبية و ثقافية خصبة نمت فيها حركات و تيارات و ظواهر تجاوزت لبنان إلی سواه من الأقطار العربية وأثرت أيما تاثير في الثقافة و الآداب و الفنون علی أنواعها (فاضل، 1996، ص11).
سعی كثير من الأدباء و المثقفين أن يبعدوا أدب هذا البلد و ثقافته عن اللون العربي و إلاسلامي بشكل خاص. و لم يكن هذا إلا بتبرير وجود القوميات و المذاهب و الفرق المختلفة من جهة، و باتصال كثير من أدبائهم بالغرب و الدول الأروبية من جهة أخری. و قد دار نقاش طويل في السنوات الماضية حول هوية لبنان و انتسابه إلی الغرب أو العرب فعبارة “اي لبنان نريد” التي كثيرا ما يجري في لبنان نقاش حاد بصددها لا تتناول فقط نظام لبنان السياسی و الاداري و ما إلی ذلك، بل تتناول نظام لبنان الاجتماعي و الثقافي أيضاً. فمقابل الذين يريدون عزل لبنان عن دائرته الطبيعية و هي الدائرة العربية، هناك من يريد إدخاله في دوائر ثقافية أخری تتخذ في كل مرحلة اسما….وكان المهم إبعاد الكأس العربية عن شفتي لبنان و ثقافته (نفس المصدر).
و في السنوات الأخيرة و بعد انتصار لبنان علی الصهاينة في سنة 2000 م ثم المقاومة الجنوبية الأخيرة التي لم تسبق بمثلها في البلدان العربية، انعكس صدی هذا الانتصار و هذه القوة المعجبة في كثير من المحافل العربية، و انشغل المثقفون و الأدباء بدراسة هذه الحركة و كشف جذورها الثقافية و لاحت لبنان كقدرة عربية صامدة لاتنافسها أية دولة عربية و لم يكن هذا إلا بالمقاومة الجنوبية.

حرب تمّوز و المقاومة الجنوبية
ما إن شنت الدولة الصهيونية الحرب علی لبنان يوم الثاني عشر من تمّوز/يوليوعام 2006 حتی تساءل كثيرون بصدق عن مدی إمكانية صمود المقاومة أمام الآلة الإسرائيلية، كما تساءل آخرون: لماذا المغامرة أمام جيش يعتمد علی أحدث ما أنتجه العالم المهيمن من أسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل؟
و ما بين التساؤلين جاء الانتصار المقاوم مفاجأة للمخلصين و غيرهم من كل الطوائف و التيارات المحلية و العالمية و توج الصمود بالانتصار. و هذا الانتصار هو الذي أكد و أصّل المفهوم المقاوم و المفهوم الإيمانی ضد فلسفة القوة.(علی ابوالخير، 2008، 75) دامت الحرب ثلاثة و ثلاثين يوماً و رجع العدو خائباً دون أن يصل إلی شیء من أهدافه الكثيرة في هجومه علی لبنان.
اذا ما استقرينا الأسباب التي أدت إلی انتصار المقاومة بقيادة حزب الله، وقفنا علی حقيقة أساسية و هي أن الوعي الديني الذي حصلته هذه المقاومة يملك خصوصية تضمن لها الانتصار في معاركها(طه عبدالرحمن، 2008، 21)
هذه المقاومة التي قامت فی لبنان كنتاج طبيعی لتجربة غنية من مقاومات سبقتها فأخذت منها، وجددت في أدائها، فأتقنت ما استلهمته من عبر، وأصّلت ما اكتشفته من تجربة، بناء علی المنطلقات الثقافية و الفكرية التي انطلقت منها هذه المقاومة. و المقاومة رؤية مجتمعية بكل أبعادها، فهي مقاومة عسكرية و ثقافية و سياسية و إعلامية … و برز هذا الأمر بشكل جلي أثناء حرب اسرائيل الواسعة في تموز 2006 (نعيم قاسم، 2008، 6)

التناص الدينی
التناص مصطلح من المصطلحات المستحدثة في الأدب و النقد. و يعود المصطلح لغوياً إلی مادة (نصص) ففي القاموس المحيط: تناص القوم عند اجتماعهم (الفيروز آبادی مادة نصص) و يلاحظ احتواء مادة تناص علی المفاعلة بين طرف و اطراف آخر تقابله. و لقد تعددت المسميات لهذا المصطلح من ناقد لآخر حيث أطلق عليه البعض (تداخل النصوص و التناصص و التضمين و النصوصية.)
كان معنی التناص مقصوراً في أول الأمر علی تعدد الأصوات (phony poliy) في الشعر بأبسط معنی اشتقاقي له، و هو الازدواج في النظم بين الإيقاع المجرد و بين أصوات الحروف نفسها، ثم تطور معناه ليدل علی تشابك المعاني الداخلية للكلمات مع معانيها أو نظائرها في نصوص أخری خارج القصيدة، ثم تطور هذا الأمر حتی وصل إلی المعنی المصطلح عليه(احمد عطا، 2007، 2).
التناص فی أبسط صورة يعني أن يتضمن نص أدبی، نصوصاً أو أفكاراً أخری سابقة عليه عن طريق الاقتباس، أو التضمين، أو التلميح. أو الإشارة، أو ما شابه ذلك من المقروء الثقافي لدی الأديب بحيث تندمج هذه النصوص أو الأفكار مع النص الأصلی و تندغم فيه ليتشكل نص جديد واحد متكامل و لا تبتعد تعريفات أعلام مفهوم التناص أو رواد هذا المصطلح كثيراً عن هذا التعريف المبسط و إن كان هؤلاء يتفاوتون في رسم حدوده و تحديد موضوعاته ما بين متطرف و معتدل (الزعبی، 2000، 11).
التناص الديني يعنی استحضار الشاعر بعض النصوص، أو القصص، أو الإشارات التراثية الدينية و توظيفها في سياقات القصيدة لتعميق رؤية معاصرة يراها في الموضوع الذي يطرحه أو القضية التي يعالجها، و يفترض في هذه التناصات أن تنسجم مع النص الجديد و تعمقه و تثريه فنياً و فكرياً. و التناص و الاقتباس و التضمين في التراث أساليب فنية توظف لبلورة الحاضر من خلال تجربة الماضي و تستحضر لتعزيز موقف الكاتب من الرؤی و المفاهيم التی يطرحها أو يثيرها في نصه ( نفس المصدر، 131) .
و تكاد تنحصر أشكال التناص علی هذا النحو في نمطين أساسيين، أولهما يقوم علی العفوية و عدم القصد أو يتم التهرب من الغائب إلی الحاضر في غيبة الوعي، اذ يتم ارتداد النص الحاضر إلی الغائب في نفس الظرف الذهني مما يجعلنا في مواجهة تداخل كلا تداخل. أما الآخر فهو يعتمد الوعي و القصد علی معنی أن الصياغة في الخطاب الحاضر تشير –علی نحو من الأنحاء- إلی نص آخر، بل و تكاد تحدده تحديدا كاملاً يصل إلی درجة التنصيص (عبدالمطلب، 1412ه، 54).
و استعمل التناص الديني فی شعر حرب تمّوز في كلا النمطين إلا أن النمط الأخير و التوظيف الوعيانی أكثر من اللاوعي لتعمد الشاعر علی إثارة الحس الديني، و تحريض المقاومين و الشعب علی المقاومة، و الاحتذاء حذو المثل التراثية و لذلك نواجه التناص المباشر و الاقتباس و التنصيص أكثر من غير المباشر أو التلميح أو التناص بالمعنی في شعر المقاومة.

أنواع التناص الدينی
شاعر المقاومة وضع نصب عينيه أن ينقل رسالة إلی سامعه بأي طريق يتمكن منه، وضع هدفه في المقام الأول دون أن ينظر إلی ما تقتضيه التعابير أو الصياغة التقليدية فهو يستعين من كل نص و حادثة و مكان ليبين مدی عظمة الصمود و المقاومة، و يستشهد بكل ما فی ذاكرته من التراث القيم فحيناً يشير إلی النصوص و أحياناً أخری إلی الحوادث و الأشخاص و يستدعيهم ثراء لشعره و قوة للمعنی الذي يريد. فالتوظيف الديني عنده، يكون فی إطارين:
الف) النص الدينی: و هو يشتمل الآيات القرآنية الكريمة و الحديث النبوی الشريف و الروايات المأثورة من أهل بيته (ع) ثم الأدعية و الشعائر الواردة والمستعملة بين المسلمين خصوصا المتداولة منها فی المجتمعات الشيعية.
ب) التاريخ الديني: يتطرق الشاعر في هذا لإطار إلی الحوادث التاريخية المرتبطة بالدين و الأماكن الخاصة التي فيها تذكير بحادثة مشهورة، أو تذكير بشخصيات تاريخية فيها دلائل و إشارات علی البطولات الدينية بما يعد بعضها رمزا للقيم و مثلاً للصمود. وإليك نماذج من التناصين المذكورين:

الف) التناص بالنص الديني
الف، 1) التناص بالآيات القرآنية
يوظف الشاعر اللبناني في أشعار المقاومة، كثيراً من الآيات القرآنية إما بنفس التركيب المستعمل في القرآن، و إما بتغيير في التركيب أو باستعمال بعض مفرداته كما يشير إلی المعانی القرآنية تصريحاً و تلميحاً. من الواضح أن الآيات التي فيها تصريح باسم النصر أو تأكيد علی فلاح حزب الله هي أكثر استعمالاً من الآيات الأخری بما فيها إلاشارة إلی اسم الحزب المقاوم و قائده في أيام الحرب.
هناك تصريح بالآيات و توظيفها من دون تغيير في بناء الكلمات و ترتيبها إلا بتغيير جزئی جدا – كما ينشد «غسان مطر» مخاطباً رائد المقاومة فی الجنوب:
يا سيدی
لا تُهْدِ من أحْبَبْت
إن الله يهدي مَنْ يشاء
النّصرُ للأيدي التي صَنَعَتْ بهاءَ النَّصر
للشُّهداء
للجَرْحَی( غسان مطر، 2006، 15)
فالنكاية فی هذه الأبيات إلی حكام العرب الذين وقفوا أمام المقاومة مدافعين عن عدوّها في الحرب الجنوبية، و فيها اقتباس من الآية الكريمة التي تخاطب النبي(ص) بأداء الرسالة و عدم الحزن علی ضلالة الذين لا يهتدون:
«إنك لا تهدي من أحْبَبْت و لكنَّ الله يهدي مَنْ يشاء و هُو أعلَمُ بالمهتدين»(قصص، 56) فالتغيير جزئي في تبديل النفي بالنهی و حذف «ولكن» مراعاة لوزن الأبيات و لعل في الفصل الحاصل بين الفقرتين كفاية عن هذه الكلمة.
و في استدعاء الشاعر «عمرالفراء» النصوص القرآنية نشاهد غلبة النص المستدعی أو النص الغائب علی النص المتولد أو الحاضر إذ يلحظ وجود إطارين كليين يستوعبان أشكال التناص، الإطار الأول: تتم فيه الغلبة للنص الحاضر علی الغائب أو العكس. الإطار الثاني: يتوازی فيه النصان بحيث يظل لكل واحد منهما استقلاليته الفنية برغم وجود تماس دلالي أو شكلی بينهما (عبدالمطلب، 1412، 82) فهو يصف المجاهدين في الجنوب:
رجالُ آمنوا قرأوا
إذا جاء
رجال عاهَدوا صَدَقوا
و قدشاؤوا
كمَا شاء(عمر الفراء، 2007، 14)
فالغلبة للنص القرآنی أو الغائب مشهود إلا أنه نقص من بعض الآيات أو غير الصيغ لاستقامة الوزن و القافية.فهو فی هذه الفقرات القصيرة يستدعی ثلاث آيات قرآنية بتركيباتها التامة أو الناقصة، في الفقرة الثانية «إذاجاء» لمح إلی الآية الكريمة.
«إذا جاءَ نصرُ اللهِ و الفتح» (فتح، 1)
و في الفقرة الثالثة استعمل التركيب بشكل أكمل من الآية السابقة حيث تم الكلام و إن لم يكمل الآية:
«من المومنينَ رجالٌ صدقوا ما عَاهَدوا الله عليهِ فمنهُمْ من قَََضَی نَحْبَهُُ و منهم مَنْ ينتظِر و ما بّدلوا تبديلا» (احزاب، 23)
والفقرة الرابعة و الخامسة تكشفان عن تضمين الآية الكريمة:
«و ما تشاؤُوَن إلّا أنْ يشاءَ اَللهُ ربُّ العالمين» (تكوير، 29)
إلا أن في هذا الأخير تغييراً صرفياً في استدعاء صيغة الماضي بدل المضارع المستعمل في الآية الكريمة.
و استدعی الشعراء في بعض من أشعارهم مفردة من المفردات القرآنية و حولوها للمقاصد و المعاني المرمية لهم، و الجمالية في هذا النوع أكثر من التصريح و الاقتباس الكامل من الآية لأن آلية التناص لا تتم إلا من خلال مفهومين أساسيين هما الاستدعاء للنص و تحويله، كما قيل إن النص لا يتم إبداعه من خلال رؤية الفنان بل يتم من خلال نصوص أخری و إدماجها فی النص الحاضر وفق شروط بنيوية يطلبها النص الحاضر.
«قدسي العاملي» يخاطب قائد المقاومة و يصف الرعب الذي حلّ بقلوب اليهود بسبب اسمه كعامل للنصر مثلما يشير القرآن الكريم إلی هذه الآية:
«و قذف في قلوبِِهم الرعَب فريقاً تقتلون و تأسرون فريقاً »(احزاب، 26)
«‌ و كذاك اسمك صيحةٌ هدّارةٌ
ملأت فؤادي المعتد رُعْب»
(قدسی العاملی، الملحمة الكبرى، 172)

فالنص المستدعی يتجلی فی كلمة واحدة و هو الرعب و لكن تتبعها التداعيات القرآنية من الأسر و القتل لبني قريظة و تأكيد علی إحدی آليات النصر و هي الرعب، إضافة إلی توظيف كلمات فيها الشدة و المدّ ”كهدارة” و تحويل “القذف” ب “ملأ” إشارة إلی فاعلية هذا الإسم في إرعاب العدو.
كما يوظف الشاعر لفظاً آخر من الألفاظ القرآنية التي تدل علی شدة إذلال العدو و حقارته حيث يشبههم بالكلب الذي يطرد، و يصور حال المجرمين في الجحيم حيث لايعتني بتضرعهم و سؤالهم بسبب ما اقترفوا من الظلم و العدوان.

« لكنّهم خَسِئُوا سنْسِقطُ كَيدهم
وَنُجرّهم عَن أرضِنَا جَرّا»
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 48)
إشارة إلى الآية الكريمة:
«قالَ اخسئوا فيها و لاتكلمُون» (المؤمنون، 108)
فاستعملت الكلمة بصيغة الأمر و الشاعر حوّلها للماضي بعد ما انتصرت المقاومة و زحف العدو بانكسار و ذلة.

الف، 2) التناص بالمأثور من النبي وأهل بيته(ع)
ظهرت العلاقات الثقافية في شعر المقاومة باستنطاق النص الديني المقتبس خصوصاً في استدعاء الروايات و الأقوال المأثورة عن النبي و أهل بيته(ع) و بإخراجها علی شكل تراكيب لغوية ضمن سياقات شعورية و نفسية جديدة تتسق مع الأغراض و الآمال و الطموحات التي طمح إليها الشعر إمّا بالتصريح أو بالتمليح و الإضمار.
إذ يشيرالشاعرإلی رواية النبي(ص) حين ينشد:
تَبْقی المقاومةُ الإبا أسطورةً
مافتّ في عضدِ القلاع ِ حصارُ
تبقی تدافعُ عن صفاءِ سمائنا
عن مائِنا تتسامقُ الأشجارُ
تحمِي العرينَ ببأسِهَا و مضائِها
لتسلمَ الرّاياتُ و هي فخارُ
حتّی ظهورِ إمامنا مهدِيِّنا
فبه السّلامُ و إنَّنا الأنصارُ
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 34)

هذه الكلمات الصادقة تعرب عن البطولة و الصمود في قلب متيقن بطريقه و أمل مستقبله الوضاء. هي كلمات تسمعها و تفهمها و تصل بيسر و بإيماءات خاطفـة إلی ما أراده الشاعر و ترى فيها الرجاء و الفـاعلية و النشاط لما تتجلى فيها الاعتماد علی قول النبي (ص) حيث أخبر أصحـابه بالمؤمنين من أبناء آخرالزمان و قـال: «إن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً أو تطريداً و تشريداً حتی يجيء قوم من هنا و أومی بيده نحو المشرق- أصحاب رايات سود – فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلونهم فينتصرون عليهم…» إلی أن قال:‌ «حتی يدفعونها إلی رجـل من أهـل بيتي فيملؤها قسطاً و عدلاً كماملئت جـوراً» (النيسابوري، ج 4-464).
كما يشير الشاعر الجنوبي إلی الطاعة و التبعية من جانب المقاومين لقائد المقاومة و يخاطبه خطاب أصحاب النبي المخلصين للنبي (ص) في يوم الحديبية :
يا مونسَ الصبح ِ نصرالله تَرْغَلَة ً
إنا نُجدّد بالأرواح ِ إيمانا
لو خضتَ بحراً أو نهراً او سموت سماً
كنا وراءك أجناداً و أعواناً
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 41)
ينادي الشاعر قائد المقاومة نداء تورية حيث يلقبه بمونس الصبح إشارة إلی المعنی القريب و هو النور و الحياة و الضياء و إشارة أخری إلی المعنى البعيد المستفاد منه و هو النصر القريب والغلبة علی العدو كما تبشر الآية الكريمة: “أليس الصبح بقريب”. و تأتيه فيما بعد الإشارة إلی ما روي من رسول الله(ص) إذ قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد عن البيت:
«إني ذاهبٌ بالهدی فناحره عند البيتِ. فقـال المقداد بن الأسود: أما والله ما نقولُ لكَ ما قـال قوم موسی اذهبْ أنت و ربُّكَ فقاتلا إنا هاهنا قاعـدون و لكنّا نقاتلُ عن يمينكِ و شمالكِ من بين يديكَ و مِنْ خلفكِ فلو خُضْتَ البحـرَ لخضناه معكَ و لو تسنمتَ جبلاً لعلـونا معك فسْربنـا علی بركـة الله» (الثعلبي، 1422هـ، ج4، ص43) .
و قد أضاف الشاعر “نهراً” بعد “بحراً “الذي جاء في الرواية كما غيرالصعود علی الجبال بالمعنی المشابه إلا أن في اللفظ المترادف المستعمل في الشعر تلميحاً إلی العلو الذي يناله الجنود في اتباعهم القائد و ستراً علی المشقة التي تنالهم في الصعود إلی الجبال.
الإشارة إلی روايات أهل البيت ليست أقل مما أشرنا من الروايات النبوية حيث نری التصريح أو التضمين في الاستناد إلی مأثورهم، إمّا في صورة المشابهة، وإمّا المفارقة المستوحاة من النص المذكور.
فيستدعي الشاعـر كلام علي (ع) حيث ينذر الناس من مواجهة العدو في قعـر بيوتهم حيث يخوفهم في خطبة الجهاد:
«فوالله ما غُزِیَ قومٌ في عقرِ دارِهم إلّاُ ذّلُوا» (امام علي(ع)، ج1، ص67)
و يستعمله في سياق المفارقة حيث يری أرضه أقوی من أن يدخلها العدو و يتوعد الخصم بالذل و الخيبة بدخول المقاومة قلب أراضي الأعداء و بيوتهم:
«ستذوقُ غضبتنا و تعلم رَدَّنا
في عقرِ دارك يهتفَ البُسلاء
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 93)
و التناص لايصل إلی الحد الأعلی من المقبولية الأدبية إلا حين تندمج النصوص الغائبة و الحاضرة بعضها مع بعض بحيث يصعب تمييز كل منها من الأخری، و إن مفهوم التناص في النقد الحداثي الغربي قد دار معظمه حول تلاقح النصوص بين حاضر مؤقت و غائب حاضر يستشرف آفاق التلاقي مع أخری في ضمير الغيب فيما تخبئه قريحة المبدعين، بما يثمر في إنتاج و إعادة إنتاج الدلالات التي تؤدي إلی شاعرية النص و شعريته، و الكثير من الأشعار في هذه الحرب يتسم بهذا الطابع كتضمين المشهود في شعر العاملي:
الموتُ أشرفُ أن نعيشَ بذلَّة
و الموتُ في عزّ الحيا مَعْنَاها
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 262)
الذي ينبه الی الحديث المروي عن علي(ع):
«فالموتُ في حياتكم مقهورين و الحياةُ في موتكم قاهرين»(امام علي (ع)، 100)
علی أنه توجد أشعار تستدعي النص مباشرة تنصه نصاً صريحاً لاتغيير فيه إلا نذر يسير كما اقتبس الشاعر من الرواية المذكورة في شعره:
و تلقاهُم الصدى الهادر
علی شاطِئ الوالِهين في غزّة
الموتُ في حياتهم مقهورين
والحياة ُ في موتِهم قاهرين
(علي عباس، قناديل الذاكرة، 218)
فذكر نفس الكلام الذي ذكرناه آنفا من علي(ع) بتحويل ضمير المخاطب إلی الغائب فحسب.
هناك البساطة و المباشرة في التعبير خاصة في تحريض المقاومين وإثارتهم علی اتّباع القدوة و المثل العليا في الشجاعة و إلاباء:
و هُنا البطولُة من يدينا سُطّرتْ
و هنا نَكِرّ كزحفِ أسادِ
فهنا الحسينُ و صرخة ٌ هدّارة
هيهات ذلاً صوتُ روّادِ
(قدسي العاملي، 2006الف، 69)
في البيت الأول يلمح الشاعر إلي علی(ع) و يمصّ من رواية النبي (ص) فيه يوم فتح خيبر حيث قال: «لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله و يحبه كراراً غير فرار لايرجع حتی يفتح الله علی يديه» (مجلسي، 1404، ج31، 259)
وباستعمال كلمة واحدة من رواية النبي و لكنها مأنوسة للمجاهدين في الجنون يلمح إلی فتح خيبر. و في البيت الثاني يصرح بالحسين و كلامه: «هيهات منا الذلة » (طبرسي، 1386هـ، ج2، 24) بتغييرات قليلة جداً و تدعم هذه الصراحة في الإباء و العزة، الكلمات الشديدة التي يستعمل فيها الشدة و المد مثل ” هدّارة ” و “صوّت” و “روّاد” و الحروف التي من صفات بعضها الجهر و الشدة و الأخری فيها التكرار و الهجوم مرة بعد الأخری كحرف “الرّاء”في” سطّرت ” “يكرّ” “صرخهً” “هدارة”
كما نری هذه الاقتباسات الصريحة في شعر علي عباس:
يا أيّها الكربلائيّون
لامكانَ للزيغ ِ…
أو الزيفِ…
أو الخوفِ مِنْ مَرَابِطِنَا
لا لغة أخری معلنة بوجهِ يزيد
غير لغةِ الدّم و النارِ و حمي ِ الحديد
و الزمان عزمُهُ من عزم ِ الحسين
شديد…
و الله … لاأعطيكم بيدي إعطاء
الذليلِ و لاأقرّكم إقرار العبيد
و العاقبة ُللمتّقين (علي عباس، محط الرجال، 2008، 70)

الف، 3) التناص بالشعارات و الأدعية
ان انسجام التناص في العمل الأدبي علی الصعيدين الفني و الموضوعي شرط أساسي لتماسكه و اتساقه و ترابط بنيانه، فالنص الذي يستحضر أو يقتبس أو يستوصي من المقروء الثقافي، لابد أن يناسب المقام الذي يطرح فيه و أن يؤدي وظيفتة الفنية – لغة و اسلوباً، بناءً و موضوعية-معنی و فكراً و مضموناً(الزعبي، 2000، 31) و الاقتباس و التضمين هما الصورتان المتوفرتان في التناص الديني و في استعمال النص المأنوس و الشعارات المتداولة بين المسلمين بين حين و آخر و يجعل النص المتولد يستقر في النفوس ويتعلق برباط القلوب-لهذا يصرح الشاعر بهذه النصوص و يرجحه على غيره فالاقتباس بين الشعراء لم يكن بالمستحب لأنه كان يعني الإقرار من قبل الشاعر بتفوق شاعر آخر، لذا كان الاقتباس يذهب أكثراً في اتجاه آيات القرآن و الأحاديث (جهاد، 1993، ص13) أو ما شابههما من المأثوركالشعارات الدينية و الأدعية المتداولة في الأفواه و في استعمال تلك قوة للشعر و دعم له مما تقبله قلوب الناس و ثقافتهم و تحرك مشاعرهم نحو مطلوب الشاعر و هدفه، كما يستلهم الشاعر من بعض فقرات الأذان و ينشد:
يا أمّة العربِ
قد اطلع الدعمُ
و تكشَّف وجهُ الصّباح
و نادى الدّم ُ
يا شعبي حيّ علی الكفاح (علي عباس، قناديل الذاكرة، 235)
فقد استدعی الشاعر شعار المسلمين في الأذان: حي علي الفلاح و استفاد من كلمة مشابهة لها ” الكفاح” مستعملاً بعض الصنايع البديعية كالجناس حيث نری في الكلمتين جناساً ناقصاً و هذا الأمر يتداعى معنى الفلاح و الذي يعقب الكفاح و الجهاد. كما يستوحي “غسان مطر” من الشعار القرآني و هو الصلوات علی النبي و يستعمله في تأييد المقاومة و يعطف علی اسم النبي(ص) اسم حفيده الشهيد بكربلاء تلميحاً إلی مواصلة سنته بالحسين و إشارة ‌إلی تأسي حزب الله بثورة الحسين (ع)، و إن كان الشاعر لايری نفسه منهم و يجد في نفسه كثيراً من الشك و الارتياب في الدين و لكنه آمن من صميم قلبه بحركة حزب الله المنبعثه من سنة النبي و أهل بيته خاصة بما فعله الحسين في كربلاء:
أنا واحدٌ من أهل “حزب الأرض”
لامن أهل” حزبِ الله”
لي في الدين ِ أسئلة ٌ وأسئلة
…..
ينتابُني خدر
و أصرخُ من شغافِ الرّوح ِ
اللهمَ صلَّ علی محمد و الحسين ِ (غسان مطر، 2006، 29)
التناص الديني في الشعر الجنوبي متنوع و غير محدد. بعض النصوص يعمم أفكار المسلمين و البعض يختص بمكتب أهل البيت و تابعيهم و لكنه جزء من المقروء الثقافي و الفكري و الديني لهذه الأمة. فهذه النصوص معروفة الهوية، واضحة المعالم عند أهلها و يمكن نسبتها و ربطها برؤية معينة و هي الإشارات الصريحة أو الخاطفة للأدعية كما نری في شعر “علي عباس”:
أنتَ قائُدنا….
سنجعلُ نهارهم صدی
و ليلَهُم سدی
دمعك لنا المدادُ و الخَضاب
حربُكَ حرُبنا
سِلمُك سِلْمنا
نلوي أذرُعَ المستحيل
نقصفُ عُتوالرياح
معك (علي عباس، 2007، 43)
فهو يخاطب قائد المقاومة خطابه للأئمة في الأدعية الواردة مع تغيير في تحويل الأفعال إلی الأسماء و إضافة الضمير المجرور بدل الضمير المنصوب إليها:
«سلمٌ لمن سالمكم و حربٌ لمن حاربكم» (زيارة الجامعة، 663)

ب) التناص بالتاريخ الديني
إن الذي لاشك فيه أن الوعي بالخطاب يحتاج إلی رصد الأصوات الإضافية الدخيلة عليه و التي أصبحت جزءاً من نسيجه و هذا الوعي يحتاج بالضرورة إلی نوع من الحس التاريخي، و الحس الفني، و الحس الديني، و الحس الأسطوري حيث يتم الربط بين الحاضر و النص الغائب و مدى الترابط أو التنافر بينهما و مدى سيطرة أحدهما علی الآخر (عبدالمطلب، 1995، 15).
و المخزون التاريخي و الديني للشاعر الجنوبي يرسمان له الأثر الثري و الغني الذي يواجه المقبولية الشعبية و الثقافية في الشارع الأدبي اللبناني، فتارة يشير الشاعر إلی الشخصيات التاريخية، و تارة أخری يلمح إلی الحوادث و الأماكن التي فيها القدسية في ذاكرة الأمة. والحس الأسطوري المنبعث من هذه الحوادث و الشخصيات من أقوى الدوافع إلى المقاومة و الصمود.

ب، 1) الشخصيات الدينية
توظيف أسماء الأعلام التراثية في الخطاب الشعري الذي يعتمد علی الشفرة و تكثيف الإشارة يتمتع بحساسية خاصة لأن هذه الأسماء تحمل تداعيات معقدة تربطها بقصص تاريخية أو أسطورية و تشير قليلاً أو كثيراً إلی أبطال و أماكن، تنتمي إلی ثقافات متباعدة في الزمان و المكان (مفتاح، 1985، 65).
فالأسماء الدينية بأشكالها المتنوعة مستدعاة في التناص الديني لشعر المقاومة مرة بالإسم المباشر، و أخری بالكنية و اللقب و الأكثر استعمالاً الإسم ثم اللقب ثم الكنية.
علی هذا تكون شهرة و ذيوع الصيغة الاستدعائية المستخدمة في النص سواء كانت اسماً مباشراً أو لقباً او كنية و توافقها الفني مع وحدات السياق كافة هي الخطوة الأولی علی طريق نجاح أي توظيف فني.
فالعلم بأنواعه المختلفة، يمثل اشارة لاستدعاء المشارإليه و كلما كانت هذه الإشارة أدل على المشارإليه، كانت أكثر علمية بصرف النظر عن التقسيم النحوي.( احمد مجاهد، 2006، 29)

– الإسم:
شاعر المقاومة يوظف الإسم لما فيه الشهرة و المعرفة و لما تتداعى هذه الأسماء الأبية الصمود أمام الظلم و لإلهامها الاستقامة وعدم المساومة:
بنتُ جبيل تنهض
تلبسُ الفجرَ المُرقّط
وَ تسْتحِمّ بماء ِعِزّتها
و تلمح مثل سيفِ الكبريا
و علی مشارفها أبوذرّ يلوح
و الحسينُ يعود مِن دَمِه
يثأرُ من فجيعةِ كربلاء
الأربعاء (غسان مطر، 2006، 42)
كما يتناولُ الشاعر أسماء الأبطال في الجنوب إلی جانب أبطال كربلا و يشبههم تشبيهاً غير مباشر:
نحنُ السلاحُ و شيُخنا هو راغب3
و وصيَّة ُ العباس ِ فينا تُشاد
لهذا فإن إدراك القارئ لدلالة مثل هذه النصوص، التي تقوم بتوظيف أسماء الأعلام التراثية، يتوقف علی معرفة القارئ بهذه الشخصيات و إمكانية تعيينه لها خلال سياق القصيدة(مجاهد، 2006، 23) و يدرك مدی مشابهتها بالشخصيات الحاضرة في الشارع اللبناني كشهيد “راغب حرب”من رواد المقاومة .
الجنوب يأنس بأبطال كربلا و أسمائها أكثر من غيرها و المقاومة تعرف بهواها الحسيني قبل أن تعرف بغيره :
مازالتْ
عند المشرعة
تنزفُ في جنب ِكفّ العباس
زينبُ ترقب وصولَ الأجساد
ستة و عشرون نحراً
و بعضُ أشلاء (علي عباس، قناديل الذاكرة، 29)
في هذه الأبيات يرسم الشاعر مشهداً كربلائياً في الجنوب و يستعير أسماء أبطال كربلا و يشير إلی عدد الضحايا في “عين كوكب” و يكتفي بذكر ومضات سريعه لتكون المؤشرات المرجعية إلی الحادثة و الذي يتمكن القارئ من خلالها استيعاب الأبعاد الدلالية لهذا التناص حيث يشير إلی كف العباس المقطوع و عدم القدرة علی الدفاع عن الضحايا و شدة الجرح و المصيبة بحيث لا يبقی حل إلا الصبر و التحمل اللذان صورتهما زينب في كربلاء.
نعم هناك شخصيات اُخری مستدعاة في التناص الجنوبي كيوسف حيث يمثل بحسنه و مكانته بعد خروجه من السجن و تكفله تدبير ارزاق الناس خير مثل للمجد و العظمة. و الشاعر يلجأ إلی التشبيه المباشر و يذكر وجه الشبه حتی يكون تبريراً موجهاً لمبايعة القائد:
في المجدِ أنت
كيوسفَ
هذي يدی ِ
امُدد يديك (عمر الفراء، رجال الله، 39)
كما يستمد الشاعر من الشخصيات البطولية في التاريخ المعاصر بهدفين اثنين: أولاً إحياء الشجاعة و الانتصار المتبقيين في الذاكرة القريبة للأمة الإسلامية كتوظيف اسم الإمام الراحل و صموده أمام امريكا و اسرائيل، و ثانياً لتبيين علاقة الجنوب بإيران و اقتدائه بقائدها و النظرإليها كقدوة عليا في الانتفاضة و الجهاد.
و شهيدُ نا كالسيفِ يقطَعُ حدُّهُ
أفقَ الظَّلام ِ ليمحقَ الإخبالا
مِن همس روح ِالله من وجع ِالثری
تَسبيحة للشمس ِكان قلالا
(قدسي العاملي، قناديل نصر، 79)
ففي الأبيات المذكورة يشير الشاعر إشارة تورية و غير مباشرة إلی الإمام الخميني حيث المعنی المتبادر القريب من”روح الله ” هو العناية و الرحمة الإلهية و المعنی البعيد المستفاد من القرائن الصارفة في الأبيات الأخری في نفس القصيدة يدل على قائد الثورة الإسلامية في إيران حيث يتناول في مكان آخر، لقب الإمام الراحل:
إنّ الحسينَ إمام الرفض ملهُمنا
نأبی الهوانَ و هيهاتَ حكايانا
من الخميني تعلمنا الإباءَ هوی
مُذ زلزلَ الشَّركَ صان الحصنَ إيرانا
(قدسي العاملي، قناديل نصر، 53)

– اللقب
اللقب ثاني فروع العلم الثلاثة التي ساوى النحويون بينها في الدرجة العلمية- علی رغم من إدراكهم لتفاوت القيمة الدلالية بين كل منهم- حيث يری النحاة أنه إذاكان الإسم المباشر يدل علي الذات وحدها فإن اللقب يدل عليها و علی صفة مدح أو ذم كما هو معلوم.
إذا كان الإسم المباشر يمثل إشارة تعيين فقط فإن اللقب يمثل إشارة توصيف و تعيين في الوقت نفسه حيث يمكن الاعتماد علی هذا المرتكز الدلالي، بوصفه خطوة أولى للتفرقة بين أسماء الأعلام (مجاهد، 2006، 28).
فالالقاب المتناولة في شعر تمّوز شبيهة جداً بالأسماء من حيث تنبهها إلی الحوادث التاريخية ككربلاء و غزوة خيبر و …. إلا أنّ فيها التناص أوضح و أبين لما يلهم اللقب من الأوصاف و الخصائص المرتبطة بالبطل:
لكنَّ حيدرة الإباء هنا انتضی
بتّارة فاهتّزت الآكامُ
ذا ذُوالفقِار يَحُزّ رأسَ المعتدي
و الحتُف يرعبُه هنا الصَّمْصَام ُ
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 209)
كما يناسب لقب “أبي الضيم” للإشارة إلى الحسين (ع) حين يدعوالشاعر إلی الإباء و رفض الظلم والعدوان:
فهنا أبي الضيم علّمنا الإباءَ
صَوت الحسين ِو أنجبت هيهاتَ
(قدسي العاملي، الملحمة الكبرى، 233)
فعلی الرغم من وجوب تأخير اللقب إذا يقارن الإسم، قدّمه الشاعر للإشارة إلی ما فيه من الصمود و ذكر الإسم بعد اللقب لإزالة أيّ إبهام حول البطل المشارإليه.
فمزج الشاعر بين استخدام الإسم المباشر و اللقب في سياق واحد وقد قدّم اللقب لأن تقديم اللّقب المبهم يحدث نوعاً من الغموض الفني المثير لذهن القاری ء قبل التصريح باسمه المباشر.
و في موقف آخر يستخدم الشاعر لقب “الرضيع” للطفل الضحية في كربلاء للاستعطاف ولإلقاء المشاكلة بين ما حدث في كربلاء وما لمسه الأطفال في “جبل عامل” و “قانا” و المناطق الجنوبية الأخری في لبنان:
في عامل المجد أطفالٌ مذبّحة ٌ
كما الرضيُع قضت حقداً وطغيانا
مجازر عممت وجه السّماء ِدماً
وخلّدتْ صيحةُ الأشلاء ِفي قانا
(قدسي العاملي، قناديل نصر، 107)

– الكنية
هي ثالث فروع العلم في التقسيم النحوي، حيث تتميز عن الإسم و اللقب، بأنها تتكون من شقين يضاف أحدهما إلی الآخر.
ولما كانت الزيادة في المبنی، تؤدي إلی زيادة المعنی، فإن الكنية تختلف عن الإسم المباشر و تتفق مع اللقب – بوصفه إشارة مزدوجه(توصيف + تعيين ) في كونها تدل علی الذات و علی غيرها معها سواء كان وصفاً مثل أم الخير أو ذاتاً أخری مثل “أبومحمد” (مجاهد، 2006، 41)
و الكنية المستخدمة في شعر الحرب هذه تشير إلی الأوصاف أكثر مما أشارت إليها الألقاب لما فيها من استدعاء الغائب و إلباسه ثوب الحاضر المشهود و تجسيد صفات الغائب فيه، كما يخاطب الشاعر قائد المقاومة و يقول:
هو أنت يا ابن المصطفى سيفَ الإبا
نصرٌ من الله العليّ يُشارُ
يا عنفوانَ النّصرِ يا ابنَ المُرتضی
لبّيكَ نصرالله يا مغوارُ
(قدسي العامل، الملحمة الكبرى، 25-24)
فخطابه بالكنية في حال إضافة الإبن إلی اللقب أكثر إفادة من المضافة إلی الإسم. و الوصف هذا يصل إلی أقوی حالاته(توصيف+توصيف+تعيين) و انتساب هذه الكنية إلی السيد نصرالله بإشارات قرآنية(نصر من الله و …) و بالهتافات المأنوسة كشعار لبيك الذي يردده الحجاج حين الإحرام يجعل الأبيات تصل إلی القلوب و تقر في النفوس و لا نجد فيها إلا لغة الناس و الشارع الجنوبي مع عزوفها عن الكلمات الدراجة كما يلقبه بالقاب البسالة و الشجاعة ك”سيف الإباء” و “عنفوان النصر” و”مغوار” لتثبت بأس القائد و صلابته في النفوس. كما يوظف الشاعر كنية “علي”مشيراً إلی الوصف الذي تحمله حيث كناه النبي (ص) بهذا.
و بعدُ ماذا تريدُ
تقتلُ فينا الحبَّ
و الحبُّ فينا شهيدٌ
قد نهزمُ في كلَّ حروبِ الضغينة
و تعوز أحلامنا في الأوجاع ِالدفينة
إلا الحب الموروث من مطويّاتِ التراب ِ
أزليٌّ
سرمديٌّ
لايعرفُ الفناء
نموت و يبقى
و كيفَ لا
و الحبُّ
حبّ “أبي تراب” (علي عباس، قناديل الذاكرة، 284)
و كانت لعلي(ع) كنيتان” أبوالحسن” و “أبوتراب” و ما سمّاه بأبي تراب إلا النبي (ص) و ما كان له اسم أحب إليه منه 4( البخاري، ج4، 207) واستعمل الشاعر هذه الأخيرة إذ يحس الشاعر بخلود التراب فإذا الأرض و ما فيها من عطاء نباتاً و شجراً و تراباً تمتثل الحياة و البقاء، و هذه الكلمات تعرب عن مأساة الأرض و صمودها وتشير بإيماءات خاطفة عن الحب المكنون في التراب الذي لا يحرم أهله من الحياة و الأزهار و لو واجه الضغن و الحقد و العداوة .

ب، 2) الأحداث و الأماكن
إن الشخصية التراثية لاتحمل دلالة ثابتة تعد مرادفاً لها في الوعي الجمعي حيث يمكن أن تصبح شفرة حرّة متفاعلة قابلة لتعدد الدلالة عند توظيفها( مجاهد، 2006، 8) في حين الأماكن و الأحداث أعمق دلالة و أعرف للمخاطب تبييناً للتاريخ و للرموز المستوحاة منه، فالحوادث و الأمكنه في التاريخ الديني مزجت بعضها ببعض بحيث لايتمكن الشاعر تفكيك إحداها عن الأخری و الإشارة الخاطفة في كثير من الأحيان ترفع الستار عن رمز ديني أو مكان مقدس كما يأتي في الأشعار الجنوبية.
يستلهم الشاعر الجنوبي من الأماكن المقدسة و الرموز الدينية و يری الشهيد الذي يعانق الموت و يستقبل الأخطار في مرضاة الله تجسيداً لهذه الأماكن المقدسة فهو يخاطب الشهيد” هادي”ابن القائد” نصرالله” :
أراكَ ركنا
وأباكَ كعبه
ودمكَ زمزما
ويومكَ
ميقاتَ حج (علي عباس، انشودة حب، 93)
كما يشير غير مرة في أشعاره إلی الرموز الاستشهادية ك”كربلاء” و “نينوا” و يبحث الشاعر عن المشاكلة بين أرضه و بينها معدداً البطولات و التضحيات في هذاالمضمار:
هنا يبادِر الوعُد الصادقُ
هنا”عيتا”
تعلق للغزاة المشانق
هنا “كربلا” اخوته
في” بنت جبيل”
كربلاء حُسين تُعانق (علي عباس، و لايهزم الدم، 61)
و بعض الحوادث كالغزوات و السرايا و مواقف التضحية ممزوجة باسم الأمكنة بحيث تداعي الحادثة ببالك فورسماع اسم المكان أو الزمان المتعلقين بها. مع هذا في كثير من الأحيان نری الشاعر يستدعی بعضاً من حادثة ما و يستمدّه تناصاً جزئياً يوصله إلی الهدف الذي رسمه للحرب:
أراك عبرت بدراً و بشائرَ المصطفی فيها … و الرجال
و أراك أمسكت خيبر ….
و اقتدارَ المرتضی عندها ….الزلزال
و أراك تطلعُ من وادي الحسين… فيعلوالفداء (علي عباس، ما بعد بعد، 77)
يوظف الشاعر المجاهد الحوادث و الأماكن التاريخية، بدر وخيبر و يشير إلی اقتلاع بابها بيد علي(ع) ويتوعد العدو الصهيوني من بأس ابناء علي(ع) في الجنوب كما يعبر عن كربلاء و يسمع نداء الحسين حين يستنصر و يعلو صوته طلباً للنصرة . التذكيربخيبر كثير جداً في شعر تموز لما فيه من المشابهة في مواجهة الإسلام اليهود المعاند في الصدر الأول:
و بخيبر دكّ الحصون أدلّها
حتّی يسوَد بأرضهم اذعار
حيفانها ريّا و عكّا تحتفي
بالمرسلاتِ فخيبر تذكارُ
(قدسي العاملي، قناديل نصر، 24)
أحياناً يشير الشاعر إلی الحوادث بغير ذكر المكان و يمتص منها كلمة او رمزاً ينبه القارئ إلی الرمزية الموجودة فيها كما يستفيد “قدسي العاملي” من الكلمة القرآنية”سجيل”مشيراً إلی ما فعل الطير الأبابيل بأمرالله و يهددالعدو و يفخر بدعم المسلمين هذه الإمدادات الغيبية بدل التسليحات و الإمكانيات المادية للخصم:
أم طائراتك في السماءِ تروّعُنا
كلّا فلسنا نَهابُها أطيار
ندعوكَ للميدان ِقابلْ بأسَنَا
وجهاً لوجهٍ يا جبانُ سِفارَ
ستری نُسوراً ترتقي أفقَ السَّما
ترميكَ سجيلاً رَمَتْكَ حِقاراً
(قدسي العاملي، قناديل نصر، 141)
كانت القيادة الإسرائيلية متأكدة أنها تستطيع إنهاء الحرب خلال أيام قليلة بالاستناد إلی سلاح الجو، لكن المفاجاة الكبری تمثلت في عجز هذا السلاح عن إحراز أي إنجاز عسكري يذكر…. لم ينجح سلاح الجو في تحديد مواقع الصواريخ التي كان حزب الله يطلقها … كما لم يتمكن الطيران من تدمير وحدات القيادة و التحكم ناهيك عن اغتيال قيادات و تدمير أهداف عسكرية أو لوجيستية تابعة للحرب ( الخطيب، 2006، 101).
الشاعر الجنوبي يشير إلی نقطة القوة في العدو و يحقرّها و يعدها علامة عجزه وجبنه في حين يری المجاهدين نسوراً يرمون الأعداء كما رمت الطير أصحاب الفيل. فالتناص القرآني مستعمل للإشادة إلی قصة تاريخية ملهمة في مواجهة العدو.

التناص الديني الشامل
التعايش الودي السليم بين المسلمين و المسيحيين في لبنان و التكافل الاجتماعي والديني اللذان يتمتع بهما اللبنانيون في السنوات الأخيرة بفضل الدعوة إلی الوحدة و الانسجام أمام العدو هو السبب الأساسي في التعبير عن المقدسات الدينية الشاملة من حين إلی آخر.
فالشاعر يبكي بعد الحصار الإسرائيلي لبيروت علی بعده من الشام الشقيقة و يستبكي القرآن و الإنجيل معاً و يبدي شدة الحزن و الألم النازلين علی قلوب المسلمين و المسيحيين بسبب الحصار:
فكانَّ هَجركَ قاتلٌ لصبابتي
يستبكي القرآن و الإنجيلا
(موسي بسام، 2008، 87)
كما يرمز إلی التضيحة و الإيثار مقارناً الحسين و عيسی رمزاً للحياة المستوحاة من تفديهما في اعتقاد المسيحية و الشيعة:
هي الأرضُ ،زَرَعْنا فيها قمحاً و دمعاً
فداء عيسی و الحسين
لما تزل أعراسُنا تتجادلُ في أسرابِ الحمام
المساحِمات مشغولة بتوزيع ِالفطرِ قبل النومِ (نعيم ثلحوق، 2007م، 35)
العيش والإحساس اللذان يتمثلان في “القمح” و”الدمع” لايزالان موجودان لوجود رموز البطولة و الصمود و الاستشهاد و كانت محافل السرور ممزوجة بالتصاوير الكاذبة من الموت و لكن المقاومة تبشرهم بالصبح قبل النوم و السكون.
“الصومعة” و “الكنيسة” تواكبان في أثر الشاعر الجنوبي” المساجد الجامعة” و تشبه النغمات المسيحية صوت الأذان إذ يهدف الجميع الجهاد و المقاومة و يغوص المسلم و المسيحي بدمهما في أرض واحدة و بيد عدوّ مشترك:
و ملعبَ الصّبح ِبلون ِالجرح توزّع في”قانا”
بظلّ ّمن مفزع ألف شهيدٍ و شهيدة
و أعمدةِ الصحف و الدخان
ترانيم القديسين و نساكِ الصوامع
أطلَّ من كنيسةِ مريَم المفجوعة
و أذان الجهادِ في الجوامع (عباس، قناديل الذكرة، 50)
لاريب في أنّ المسيحية تدعو إلی مقاومة الشّر في هذا العالم الحاضر، اتخذ هذا الشرّ صورة عدوّ خارجيّ يعتدي علی حياة الناس فيقتلهم و يهجّرهم من ديارهم و يستولي علی خيراتهم، أم اتخذ صورة داخلية من ظلم نظام جائر….. صحيح أن المسيح دعا إلی محبة الأعداء…. و لكن لاتقوم محبة الأعداء علی تجاهل العداوة أو علی إنكارها…. و المحبة تالياً تفترض التصدي للأشرار و الظالمين و المعتدين حفاظاً علی الحياة التي ائتمننا الله عليها. (الأب مسوح، 2008م، 191)
و التلاحم الآنف الذكر أكثر مايكون بين الإسلام و المسيحية إلا أن الإشارات الخاطفة تغطي الأديان السماوية الأخری و الشخصيات الرمزية فيها، كما يخاطب الشاعر منطقة جبل عامل و يذكرها أمومته للنبيين(ع) :
حضنتِ عيسی و موسی و ابنَ فاطمة
فكنتِ خير نساءِ الكون ِفي الحِقَب
(موسي بسام، 2008م، 116)
فأرض الأنبياء و أبنائهم جديرة بالدفاع عن أبنائها و عن قيمتها الدينية العريقة فيها و منها المقاومة و الجهاد.

النتيجة
وظف الشاعر الجنوبی التناص الديني فی شعر حرب تموز فی نمطين الوعياني و اللاوعي إلا أن النمط الأول أكثر استعمالاً لتعمد الشاعر علی إثارة الحس الديني و التحريض علی المقاومة فلذلك نحن نواجه التناص المباشر و التنصيص في شعر أيام الحرب أكثر من التلميح و التناص بالمعنی المتبلورين في شعر ما بعد الحرب.
شاعر المقاومة يستفيد من النص الديني المأثور و التاريخ الديني المروي بالتصريح و الإيماء في حين نواجه غلبة النص المستدعی و الغائب علی النص المتولد في القسم الأول (النص الديني) خاصة في الآيات القرآنية، و نحس بغلبة النص الحاضر علی الغائب في القسم الثاني (التاريخ الديني) و الشخصيات و الأماكن الدينية المرتبطة بها.
المخزون التاريخي والديني لدی الشاعر يرسمان له الأثر الثري و الغني الذی يواجه المقبولية الشعبية و الثقافية في الشارع الأدبي اللبنانی و بسبب الظروف الطائفية السائدة علی لبنان يتمتع هذا الشعر بالتناص الديني الشامل الذي يحتضن رموزسائرالأديان السماوية خاصة اليسوعية وهذا البحث لا يكون إلا تمهيداً للفحص عن الآثار الدينية و الالتزام في أدب المقاومة المعاصر منه و الملموس في الأراضي المضطهدة من جانب العدو إما في فلسطين أو العراق أو الجنوب اللبناني و المجال واسع جداً في استدعاء التراث الديني و دراسته في الأدب المعاصر.

الهوامش
1- شنت اسرائيل في 12 تمّوز 2006 حرباً عدوانية دموية علی لبنان دامت لمدة 33 يوماً انطلاقاً من أسر حزب الله لاثنين من جنودها. طالت هذه الحرب في مختلف البقاع اللبنانية وبلغ مجموع الغارات التي شنها سلاح الجو الاسرائيلي علی لبنان مايفوق 7000غارة جوية مستهدفاً 7000 هدف في لبنان كما نفدت البوارج الحربية 2500 عملية قصف مركزة علی مناطق معينه بامتداد الساحل اللبناني.
و في نهاية المطاف انتصرت مقاومة حزب الله و استطاعت تحرير الأراضي و انجاز كثير من أهدافها كإحياء المعنويات في المنطقة، و الممانعة من إجراء مشروع الشرق الأوسط، و إعادة المعنويات في الفلسطينيين، و تخويف اسرائيل من القوی الإسلامية أكثر فأكثر…..
2- عن عبدالله بن مسعود قال: كنا جلوساً حول رسول الله(ص) إذ دخل فتية لبني هاشم فتغير لونه، قلنا: يا رسول الله ما نزال نری في وجهك الذي نكره فقال إنا أهل بيت، اختارالله لنا الآخرة على الدنيا و ان أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءً أو تطريداً و تشريداً حتی يجئ قوم من ها هنا- و أومی بيده نحو المشرق – أصحاب رايات سود- فيسألون الحق فلايعطونه- قالها مرتين أو ثلاثاً فيقاتلونهم فينصرون عليهم فيعطون ما سألوا فلايقبلونه حتی يدفعونها إلی رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطاً و عدلاً كما ملئت جوراً و من أدرك ذلك فليتأتها و لوحبوا علي الثلج (النيسابوري،حاكم، المستدرك، ج4، ص464 و القزويني، سنن ابن ماجة، ج2، ص1366)
3- الشيخ راغب حرب كان من القادة الأوائل في منطقة جنوب لبنان و بعد الثورة الإسلامية اتصل بإيران و لقد ظل نصيراً لقضايا الثورة الإسلامية و واجه العدو الصهيوني كراراً و اعتقل مراراً و لكنه مازال يحرض علی الصهاينه و يشوق الشعب علی المقاومة إلی أن قضي عليه في السادس عشر من شهر شباط و في ليلة الجمعة من عام 1984 و بعد أن أنهى الشيخ قراءة دعاء كميل و توجه للسهر مع بعض إخوانه في بيت بجوار منزله و اثناء خروجه ضرب العُملاء المرتزقة رصاص حقدهم الغادر و استشهد القائد مردداً كلماته الاخيرة : الله أكبر.
4- حدثنا عبدالعزيز بن حازم عن أبيه أن رجلاً جاء إلی سهل بن سعد فقال:«هذا فلان أمير المدينة يدعو علياً عند المنبر قال فيقول ماذا؟ قال يقول له أبوتراب فضحك، قال: والله ما سمّاه إلا النبي(ص) و ما كان له اسم أحب إليه منه فاستطعمت الحديث سهلاً و قلت يا أبا عباس كيف؟ قال دخل علی على فاطمة ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبي(ص): اين ابن عمك؟ قالت في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره و خلص التراب إلی ظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول اجلس يا أباتراب مرتين» (بخاري، 1401، ج4، 207).

المصادر و المراجع
القرآن الكريم
الإمام علي(ع)، نهج البلاغة، شرح:محمد عبده، دارالذخائر، قم، الطبعة الأولی.
الأب مسوح، جورج، 2008م، معني الحياة في الرؤية المسيحية، مجموعه مقالات «قيم المقاومة»، الطبعة الأولی، بيروت، دارالهادي.
أبوالخير، علي، 2008م، الأبعاد و الثلاثية للمفاهيم المؤسسة للانتصار المقاوم، مجموعه مقالات «قيم المقاومة»، الطبعة الاولی، دارالهادي، بيروت .
بخاري، 1401هـ، صحيح بخاري، لبنان، دارالفكرللطباعة و النشر.
تلحوق، نعيم، 2007م، يرقص كفراً، الطبعة الأولی، دارالفكر للأبحاثات و النشر.
الثعلبي، 1422هـ2002م، تفسير الثعلبي، تح: محمدبن عاشور، داراحياء التراث العربي، بيروت.
الخطيب، محمدتيسير، 2008م، الانتصار في عيون إسرائيلية، مجموعه مقالات «قيم المقاومة»، دارالهادي، الطبعة الأولی.
الزعبي، أحمد، 2000م، التناص نظرياً و تطبيقياً، الطبعة الثانية، مؤسسة عمون للنشر و التوزيع.
العاملي، الحرّ، 1403هـ، وسائل الشيعة، تح: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، داراحياء التراث العربي، لبنان.
عباس، علي،2008م، أنشودة حب للثوار، الطبعة الأولی، دارالهادي، بيروت .
ــــ،2009م، قناديل الذاكرة، الطبعة الثانية، دارالهادي، بيروت .
ــــ، 2007م، مابعد بعد، الطبعة الثانية،، دارالهادي، بيروت .
عبدالرحمن، طه، 2008 م، المقاومة الإسلامية و الجديد التكاملي للوعي الديني، مجموعه مقالات «قيم المقاومة»، الطبعة الأولی، دارالهادي، بيروت.
عبدالمطلب، محمد، 1412هـ، التناص عند عبدالقاهر الحجر جاجي، مجلة علامات في النقد، ج3، مج1.
عبدالمطلب، محمد، 1995م، قراءات أسلوبية في شعرنا الحديث، الهيئة المصرية العامة للكتاب.
فاضل، جهاد، 1996م، الادب الحديث في لبنان، الطبعة الأولی، رياض الريس، لندن.
الفراء عمر، 2007 م، رجال الله،، الطبعة الأولی، دارالهادي، بيروت .
قاسم، نعيم، 2008م، مجموعه مقالات «قيم المقاومة»، الطبعة الأولی، دارالهادي، بيروت .
قدسي العاملي، محمد، 2006م، الملحمة الكبری، الطبعة الأولی، دارالولاء، بيروت.
قدسي العاملي، محمد، 2006م، قناديل نصر، الطبعة الأولی، دارالولاء، بيروت.
القزويني، محمدبن يزيد، لاتا، سنن ابن ماجه، تح: محمد فؤاد عبدالباقي، دارالفكر للطباعة و النشر و التوزيع.
طبرسي، 1386، هـ، الاحتجاج، دارالنعمان للطباعة و النشر، النجف.
مجاهد، أحمد، 2006م، أشكال التناص الشعري، الهيئة المصرية العامة لكتاب.
المجلسي، محمد باقر، بحارالأنوار، تح محمد الباقر البهبودي، الطبعة الثانية، داراحياءالتراث العربي، بيروت
محمد مفتاح، 1985م، استراتجية التناص، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الاولي.
مطر، غسان، 2006م، لمجدك هذا القليل، الطبعة الأولی، الفرات للنشر و التوزيع، بيروت.
المنتخب الحسني، زيارة الجامعة الكبيرة، 1407هـ.لندن
موسی بسام، 2008م، قمران في ليل القصيدة، الطبعة الأولی، دارالهادي، بيروت .
النيسابوري، حاكم، لاتا، المستدرك، تح يوسف عبدالرحمن المرعشي.
هاشل الحسيني، راشد، 2004م، البنی الأسلوبية في النص الشعري، دارالحكمة، لندن.

بينامتني دینی در ادب معاصرلبنان
بابهره گیری ازا شعار جنگ تموز

انسية خزعلي

تاريخ دريافت: 9/10/1387 تاريخ پذيرش: 14/10/1387

ادبیات لبنان به دلیل شرایط خاص آن از قبیل ویژگیهای جغرافیایی، ارتب